Articles

Affichage des articles du 2014

الملاجئ

كنت في الخامسة من عمري لمّا شيّدت شركة فسفاط قفصة ثلاثمائة مسكنا شعبيا وزّعتها على عمّالها. ورغم صغر سنّي آنذاك، فقد عشت تجربة زرع العمّال في حيّهم الجديد بوعي حادّ. أذكر كيف وصلنا إلى حيّنا الجديد ذات صباح على متن عربة مجرورة (كرّيطة) حملت كلّ ما نملكه من متاع، ومن فوقه كنّا مكوّمين أنا وإخوتي الثلاثة وأمّي. ربّما بسبب هذه الصّورة ظلّت تسمية الملاجئ أقرب إلى وجداني من عبارة الحي العمالي المعتمدة رسميا. وفيما انشغل والدي وأمّي بتوضيب غرف البيت التي لم تكن تختلف عن الأقفاص في شيء من فرط ضيقها وانخفاض سقوفها، انتشرنا أنا وإخوتي في أرجاء الحيّ نكتشف تضاريسه وملامحه. كان للحي رائحة الحياة البكر وألوانها. انتشرت في أرجائه بقايا مواد البناء كقطع الآجر الأحمر وبقايا الأخشاب والحديد. ورغم فقره، فقد أصرّ أبي على أن يطبع البيت بروحه حتى لا يكون مجرّد رقم في سلسلة من الأبواب المتشابهة والتي يصعب التمييز بينها. فقد جاء ببرميل صدئ مزج فيه الجص الأبيض بمادّة ملوّنة خضراء فاتحة وترك الخليط يتماهى ثلاثة أيّام كان أثناءها يرشّه بالملح ويحرّكه بعصا خشبية ثقيلة فتفور منه حرارة تحرق

حقيبة الخط

كنّا ثلاثة طلبة جددا نتقاسم الغرفة F 13 بالحي الجامعي ببن عروس في مفتتح السنة الجامعية 1981-1982. طلبة قادمون من ثلاث مناطق مختلفة: الحوض المنجمي والمكناسي وجزيرة جربة. لم تكن تربطنا ببعضنا معرفة سابقة، ولكن لم تجمعنا الصدفة في تلك الغرفة. فقد رتّب الأمر على هذا النّحو رفاقنا الأقدم منّا بتوجيه من حلقات الاستقطاب الصيفية . منذ اليوم الأوّل، عملنا بمبدأ أنّ كلّ شيء مشترك ويدار بشكل جماعي: الأغطية والبسيسة والكعك والسجائر والكتب... وعشنا على ذلك النسق أكثر من ستّة أشهر حتّى كانت أحداث كلّية الآداب بمنّوبة التي عرفت مواجهات دامية بين طلبة اليسار وطلبة الاتجاه الإسلامي. بعدها مباشرة، زار غرفتنا رفيق من الساحل معروف بالجدّية والصلابة. كان يجرّ معه حقيبة جلدية ثقيلة جدّا استودعها أمانة عندنا وقال أنّها تضمّ أدبيات الخط الذي اختارتنا قيادته لهذه المهمّة الشريفة في ذلك الظرف الذي لم يعد فيه أحد من القادة البارزين آمنا على حياته في ظلّ ملاحقة البوليس ومطاردات الإسلاميين لهم. شخصيا لم أكن ميّالا إلى تصديق كلامه، وكنت أرجّح أنّها كذبة افتعلها ليتخلّص من ذلك العبء الثقيل عليه، فأوهمن

دار الكاتب

تستيقظ في زاوية ما من الذاكرة الوديعة الساكنة ودون سبب ظاهر ولا استدعاء أو نبش في خباياها، تستيقظ مناخات دار الكاتب بنهج شارل ديغول وأجواءها. فتبدو لي تلك الفترة كما لو أنّها مجرّد حلم، لا لكونها فترة حلوة وزاهية، ولكن لأنّ كل ما فيها يشبه الحلم... لا أستطيع استحضارها بكامل تفاصيلها، ولا أظفر منها بأكثر من نتف وشذارات متناثرة. وهي إلى ذلك صور غائمة بدخان السجائر والضوء الخافت والضوضاء كما لو كانت صورا لحان نواسي في دولة بني العبّاس. شخصيات غريبة وطريفة في غالبها، منها المبدع الحقيقي ومنها المجنون وكذلك المتشاعر، وهناك المتزلّفون والقوّادون والعتّالون والجزّارون والنقابيون والمثليون والأشاعبة... درج معتّم يصعد بك إلى ردهة المتر المربّع في الطّابق الأوّل حيث يستوقفك باب صقيل ثبّت عليه جرس وكوّة صغيرة كفتحة الزنزانة يطلّ من وراءها النوادل أو القائم على المحل.  اختلفت الآراء عند افتتاح الدّار وتوزّعت المواقف بين من اعتبرها شركا نصبته السلطة السياسية للمبدعين حتّى تعزلهم عن عمقهم الاجتماعي الذي منه يستلهمون إبداعهم، ومن دافع عنها بوصفها مكسبا يوفّر فضاء للنقاش وتلاقح القرائح بع

كوابيس الأسبوع الأخير قبل يوم الانتخاب

في غياب المهرّبين، يتسلّى أعوان الجمارك بمطاردة الغزلان النّاطة فوق كثبان الرمال حتّى يجنّبوا سيّاراتهم الكسل، ويشغلون أنفسهم بصيد الطيور الشاردة حتّى يسرّحوا حناجر بنادقهم. خطب ضابط الحدود في فرقته "علينا أن نحمي ثروتنا الحيوانية من الاحتكاك بدوابّ جيراننا التي تتسكّع على أراضينا ّفي أوقات فراغها، فهي غير ملقّحة". في المعبر الحدودي، تمدّ الأشجار العملاقة ظلالها خارج خطّ الحدود بين الدولتين الجارتين. تكون الأشجار صباحا في البلد الشرقي بينما ظلالها في البلد الغربي . وعند الغروب تنقلب الأدوار. أمّا الطيور الشاردة، فلا أحد يعرف لها أصلا ومستقرّا. تظلّ ترتع بين الجهتين هازئة بتلك الطلقات الذابلة التي تصدر عن هذا الجانب أو ذاك. وقد يتجرّأ بعضها فيزقّ على شارات الرتب التي تحلّي أكتاف الضبّاط وينقر الحب على شرفات مكاتبهم. صاح ضابط الحدود في وجه جنوده: "ويحكم، أما من أحد فيكم يستطيع أن يكفّ عنّي نزق هذا الطّائر اللّقيط؟" واستدار ناحية كتيبة الدّولة الجارة صارخا عبر مضخّم الصوت "خفّفوا عنّا لفح رياحكم، فالقمر ضيفنا هذه الليلة" ضحك شيخ

شكرا حضرة البروفسورة

شكرا لزميلتي الباحثة اللامعة والبروفسورة ذائعة الصّيت ذات الأخلاق الجامعية العريقة جدّا، لأنّها جرجرتني أمام المحاكم ومرمطتني أمام القضاء في أيّام العيد (والثابت أنّ زميلتي البروفسورة الجامعية تفضّل عبارة " مرمدتني" لأنّ منسوب التشفّي فيها أرفع) شكرا لزميلتي البروفسورة اللامعة التي لا يشقّ لها غبار، صاحبة الفضل في تقدّم العلم والمعرفة في اختصاص علوم المعلومات بكل فروعها، على تخصيصها حيّزا من وقتها الثمين الذي نذرته للبحث وإنتاج المعارف، لمتابعة من تطاول على كرامتها لمجرّد أنّها رفعت عريضة سرّية لم تشأ أن تزعج أغلب زملائها بدعوتهم إلى توقيعها واكتفت بثمانية منهم فقط من أصل اثنين وثلاثين شكرا لزميلتي البرفسورة الجامعية اللامعة على تمكيني من فرصة أن أكون عبرة لمن تحدّثه نفسه بالوقوف في وجه البروفسورات الذين يتّهمون زملاءهم بالتزوير دون أن يقدّموا أيّ إثبات، فمتى كان البرفوسور في حاجة إلى إثبات ما يقول؟ شكرا لزميلتي البرفسورة الجامعية جدّا لأنّها أعادتني إلى أروقة المحاكم وقاعات جلساتها من موقع اللاعب الأساسي بعدما أدمنتها في مراهقتي من موقع المتفرّج وأنا التلميذ ا