Articles

Affichage des articles du août, 2014

من نافذة الغرفة 226

عند منتصف نهار ذلك السبت الجويلي القائظ، كانت السيارات مجرّد صفائح معدنية متماوجة تتحرّك بالكاد في دوّار باب سعدون ... وكان الدوّار يبدو من نافذة الغرفة 226 بال طابق الثاني من مستشفى الأمراض السرطانية كبالوعة صرف صحي عملاقة في يوم ماطر، تجذب السيارات نحو مركزها المتمحور حول الأقواس الثلاثة لباب سعدون، كما تفعل الرحى مع حبات القمح، تهرسها و تطحنها ثم تلفظها من جوانبها . رنّ الهاتف فوجدت صديقي كمال على الخط يستفسرني بصوته الأبح عن رقم غرفة عشيرنا ويعلمني بأنّه قادم على القدمين بعدما ترجّل من سيّارة التاكسي العالقة في الدوّار. لوّحت له بيدي من شبّاك الغرفة ليس طمعا في أن يراني وإنّما محاولة مضطربة منّي لإدخال شيء من المرح وكسر وطأة الألم البارك على غرفة عشيري والموت المعشّش في جدرانها وزواياها وستائرها... وكأنّ عشيري قرأ ما في ذهني، فناولني اللحاف الأبيض لسريره قائلا على طريقته المعهودة في دفع الأمور إلى أقصاها "لوّح له بالعلم الأبيض وسيفهم"... أخذت اللحاف وجعلت ألوّح به بعنف كأنّني أريد أن أنفض عنه بعضا من الموت. وما كدت أفعل حتّى رأيت كمال يردّ برقصة زوربا بين

الرّومي

رفعت رأسي عن صفحة الجريدة مستطلعا قدوم حافلة الركّاب القادمة من قفصة في اتجاه الرّديّف، فلمحته يمرّ أمامي مصطحبا ابنه نحو بائع السندويتشات. عدت لقراءة الجريدة دون تركيز، وقد سيطرت عليّ الرّغبة في التأكّد مّما إذا كان ذلك الشخص هو من تصوّرته. صحيح أنّني لم أره منذ اكثر من   ثلاثين سنة، ولكن نبرة صوته وهو يكلّم ابنه أيقظت صورته في ذاكرتي كما لو كان بجانبي في قاعة المراجعة بمعهد قفصة. ثمّ، لم لا يكون هو؟ فأنا أعرف أنّه استقرّ بأمّ العرائس بعد أن صار ممرّضا بمشفاها المحلي. ودون تخطيط مسبق وجدت نفسي أرفع رأسي ثانية مناديا "الرّومي، الرّومي"... لكنّ الرّجل واصل سيره دون التفات. قلت في نفسي سأنتظر عودته، فنحن بالتأكيد سنمتطي نفس الحافلة. وعندها سيتسنّى لي التعرّف عليه والسلام بحرارة واسترجاع أحلى الذكريات معه. طويت الجريدة في شكل لفافة لولبية وأنا أتساءل إن كان من اللائق أن أناديه بتلك الكنية التي عرف بها في صغره... كان أبيض البشرة منساب الشعر وطويله، كأبناء الروامة من المهندسين الفرنسيين الذين يسكنون الحي الأوروبي بقريتي المنجمية. أذكر أيضا أنّه كان أبرعنا على الإطلاق ف