Articles

Affichage des articles du juin, 2015

البريء

لم يكن اللقاء الأوّل مصادفة كما يبدو... فقد جاءت من بلدها لقضاء العطلة باحثة عنه، كما كان يتسكّع في محيط النزل باحثا عنها. لم يكن أحد منهما يعرف الآخر، ولكنّ كليهما كان يبحث عن شخص له مواصفات الآخر. لذلك كان اللقاء الأوّل يسيرا وسلسا. التقاها في محطّة القطار السياحي فافتعلت سؤالا توجّهت به إليه، ودون أن يكلّف نفسه عناء فهم سؤالها طفق يخاطبها بنتف من اللغة الفرنسية يخيطها بحركات يدوية وتعابير وجهية أضحكت كليهما. كان واضحا أنّها قد أعجبت بشبابه ورأت في فقره ما يجعل منه الشخص المناسب لها. وكان واضحا أيضا أنّه قد فهم غايتها بالضبط ورأى في سنّها ما يجعلها الشخص المناسب له. لم تمثّل اللّغة عائقا بينهما. فلم تكن بهما حاجة إلى كلام كثير. واكتفيا بابتسامات تشي بفرحة كلّ منهما بما سيغنمه من الآخر. دعاها إلى احتساء قهوة فاستجابت شرط أن تكون هي المضيفة... وعلى دكّة المقهى الأندلسي، دخّنا النرجيلة قبالة البحر في أمسية رائقة. كان سعيدا بعد يوم من الصيام المرهق والعمل الشاق في حضيرة البناء بالمنطقة السياحية. أمّا هي فقد أرته صور بلادها ومنزلها في الرّيف البلجيكي، بعدما أثنت على روعة تونس وعلى كرم أ

كان المعلّم وسيظلّ رسولا

Image
تنحنح فرج الطبلبي المعلّم بعدما عبّ جرعة بيرة مباشرة من القارورة وركزها أمامه ثمّ قال: دخلت الفصل بمدرستي الريفية في ذلك اليوم الشتائي البارد وأنا أحمل سلّة أدواتي التعليمية. كانت فقرات حصّة ذلك اليوم تتكوّن من درس في الحساب ودرس في الإيقاظ العلمي وحصّة رياضة... كان الأطفال الذين يصلون تباعا يرتعدون من شدّة البرد فيأخذون أماكنهم في تلك القاعة الثلجية التي تكسّر بلّور نوافذها فوضعنا عليها ألواحا من الورق المقوّى لصدّ تيارات الهواء. كان مظهر الأطفال يدمي القلب من فرط فقرهم: ينتعلون صنادل بلاستيكية غارقة في الوحل، تطلّ منها أصابع تجمّد الدم فيها من شدّة البرد. وكانت شعورهم الجميلة مسدولة على جباههم فوق عيونهم الدّامعة لست أدري إن كان بسبب الرياح الباردة أو بسبب الألم والجوع والتعب. يقطع هؤلاء الأطفال كيلومترات كي يصلوا إلى المدرسة. عبّ فرج جرعة ثانية من القارورة ففاضت رغوتها على فمه وملابسه وتابع بلهجته الساحلية وتلك الابتسامة ترتسم على الجانب الأيسر من فمه دون إرادة منه: كنت أستعدّ للانطلاق في العمل لمّا دخل عليّ شخص قدّم نفسه بصفته متفقّدا تربويا، فرحّبت به دون إط