Articles

Affichage des articles du novembre, 2015

ثورة النهود

لمّا رنّ منبّه الآيفون، كانت الأمّ تغطّ في نومة عميقة وحلمة ثديها في فم البنيّة التي كانت ترضع وتخرخر بصوتها كقط وتخدش بأظافرها الحادّة صدر أمّها. لعنت الأمّ في سرّها هذا الجهاز الذي رنّ في يوم عيد الثورة فحرمها من النوم على راحتها ومدّت نحوه يدها لتخرسه دون أن تفتح عينيها. ثمّ ناولت الجهاز للبنيّة كي تلهيها عن الرضاعة وعن خدشها بأظافرها واسترسلت في النوم باستمتاع على غير عادتها وهي المجبرة على الاستيقاظ باكرا كلّ يوم لتجهيز البنيّة واصطحابها إلى محضنة الأطفال قبل التوجّه إلى مقرّ عملها بالوزارة... لم يكن ذلك حال زوجها الذي كان مضطرّا يومها إلى الاستيقاظ باكرا للمشاركة في الموكب الرّسمي للاحتفال بعيد الثورة باعتباره يشغل خطّة سامية بوزارة الصحّة . لمّا شبعت نوما، غادرت الزّوجة فراشها وأعدّت قهوة جعلت تترشّفها باستمتاع وهي تتابع على شاشة التلفزيون نقلا حيا لوقائع موكب الاحتفال. ثم شغلت نفسها بقضاء بعض الشؤون المنزلية في انتظار عودة زوجها الذي وعدها بخرجة إلى الشارع الرئيسي بالعاصمة للمشاركة في الاحتفالات الشعبية بالثورة... من الغد، ولمّا كان الزملاء يهنّؤون بعضهم البعض

سرّ القبر

تردّد الرّجل كثيرا في إعلام زوجته بالأمر. فقد لا يزيده تفاعلها إلاّ حيرة. إذ ما عساها تفيده به سوى أن تضرب يدا بيد في لوعة وتسرف كعادتها في إشعاره بالذنب وبسوء التقدير؟ فكّر أن يستشير الإمام، فربّما أفتى بفتح القبر وعندها لن يبقى عليه سوى استصدار ترخيص بذلك من السلط الإدارية. ولكن، ماذا لو أفتى الإمام بعكس ذلك، وصرّح بعدم جواز فتح القبر؟؟ كيف سيتصرّف في تلك الحال؟ وقبل ذلك كلّه، من يضمن أنّ الإمام سيجرؤ على فتح فمه أصلا بعدما حصل الذي حصل؟ لو كان شجاعا لتحدّى قرار الجماعة وخرج إلى الصّلاة على الميت وأشرف بنفسه على مراسم الدفن كما تعوّد أن يفعل... اقشعرّ جلده رعبا لمجرّد أن راودته فكرة نبش القبر بنفسه خلسة ودون إعلام أحد. فهذه مغامرة غير مضمونة العواقب. فمن سيصدّق روايته لو اكتشف أحدهم الأمر؟ ماذا لو اكترى ولد الحفيانة ليقوم بالمهمّة؟ لا، لا، لا ما هذه الحماقة؟  منذ متى كان للمنحرفين عهد وأمان؟ أمثال هؤلاء لا يؤتمنون على الأسرار؟  ما هذا القدر الأخرق الذي جاء به من فرنسا في ذلك الوقت ليدفع به إلى تولّي إنزال الميّت ووضع اللحود عليه؟ ولكن هل كان ممكنا ألاّ يفعل؟ فالحاضرون يومها قليلون

بنت الحي

لمحها منذ اليوم الذي سكن فيه الحي الشعبي حيث تمّ تعيينه للعمل بالمدرسة الابتدائية. من يومها صار يجلس إلى تلك الطاولة بالمقهى على جادّة الرّصيف ليرقبها في غدوّها ورواحها إلى حانوت حمدة العطّار وهي تتبختر في ذلك الجوغينغ الضيق وذلك النعل الطري كاللسان... تعجبه تلك الفولارة المربوطة إلي يمين الجبين واستدارات الجسد تحت القماش القطني الرمادي وطقطقات النعل وهو يصفّق على القدمين كلّما بدّلت الخطو وفرقعات العلكة التي تلوكها في فمها. حذّره بوجمعة نادل المقهى من خطورة الاقتراب من أخت "إسكوبار" لمّا لاحظ ولهه بالبنت، فاكتفى منها بلذّة النظر الحارقة... وظلّ على تلك الحال أسابيع والبنت المتفطّنة إلى ورطته تزيد من دلالها كل يوم أكثر، مثبّتة عليه نظرات جسورة تدعوه إلى مفاتحتها بالحديث، وهو يردّد في سرّه: "وإني امرؤ مولع بالحسن أتبعه ليس لي فيه سوى لذّة النظر" حتّى كان أن فوجئ بها ذات يوم، وهو جالس في مكانه بالمقهى عند الضحى، تتوجّه إليه طالبة في دلال: "أمان، ممكن تسلّفني تلفونك نقول كلميتين لأمّي في المستوصف؟" ناولها التلفون بيد مرتعشة وحلق جاف وسمعها تقول للطرف الآخر

القطار لا ينتظر أحدا

قد لا ير ى فيها ا لآخر و ن سوى تفاصيل صغيرة لا قيمة لها، ولكنّها ترتقي عنده إلى مرتبة الطقوس. لا يمكنه أن يسافر دون أن يح مل معه أشياءه البسيطة ويتّخذ جملة من الاحتياطات... طقوس ورثها عن والديه في تعاملهم مع السفر على قطار الثالثة فجرا الذي يشقّ بطن الجبال لينقل المسافرين من الغرب الأجرد القاحل إلى جهة السهول الشرقية حيث تتسلسل القرى والمدن الحيّة الموصولة بمزارع الزيتون الممتدّة على طول الساحل في أرض طينية حمراء وطرية تسلب النظر... ورغم تطوّر العصر وتكاثر وسائل النقل وتنوّعها، فلا أحد تجرّأ على المساس بقطار الثالثة فجرا. لا الشركة حذفته رغم قلّة مسافريه ولا هو استبدله بحافلة الثامنة صباحا أو بسيارات الأجرة. ظلّ مشدودا إلى تلك الرّائحة، رائحة الناس الطيّبين المعشّشة في خشب المقاعد الهرمة، ومفتونا بإيقاع العجلات الحديدية الرتيب وهي تنزلق فوق عمودي الفولاذ الممتدّين كثعبان. هناك فقط يمكنه أن يسمع تلك الصافرة المبحوحة التي تصل الأمس باليوم فتبقي على الذاكرة حيّة. رتّب في جرابة القماش التي ورثها عن أبيه زاد المسافر من طعام وأدوات ورثها كلّها عن أبيه. بيضتان مسلوقتان وسندويتش السردين