Articles

Affichage des articles du décembre, 2015

اليوم الأوّل في بانكوك

تطلّ برأسك من باب الطائرة مستعدّا للنزول نحو الحافلة الرابضة أسفل المدرج بانتظار القادمين. تلفعك حرارة غير عادية في وجهك لتوقظك من خدر الهواء المكيّف داخل الطائرة. رطوبة مرتفعة حتى تكاد لا تظفر بشيء وأنت تستنشق الهواء بمنخريك المفتوحين على أقصاهما كمنخري بغل. لا يسعفك فمك الذي تفتحه متلقّفا الهواء، وقد أطبق عليك الاختناق، إلاّ ببخار مثقّل بالماء كبخار الحمّام. بعض ثوان كافية كي تحسّ جلدك دبقا وملابسك ملتصقة بجسدك. لقد تحوّلت رئتاك من اسفنجتين رخوتين إلى بالونَيْ كاوتشو سميك ومتيبّس. "ما الذي دعاني إلى القدوم إلى هذا البرّ البعيد؟؟". وفي الخطوات الفاصلة بين مدرج الطائرة وباب الحافلة، تدرك معنى كلام الرياضيين عن استحالة لعب الكرة في مثل هذا المناخ المداري الرّطب والحارّ. تسترجع شيئا من حيويتك لمّا تصعد الحافلة، ويسعدك أن تتواصل الانتعاشة في فضاء المطار المكيّف. ولكنّ مغادرتك للمطار ترجعك إلى معاناة تلقّف الأنفاس. تستقلّ سيّارة تاكسي وتناول السائق ورقة عليها اسم النزل وعنوانه، فيدوس على زرّ ليشغّل مروحة بلاستيكية صغيرة، تشبه لعب الأطفال يوم العيد عندنا، ثمّ ينطلق. ي

صيّاد الأفكار

كان يتناول قرن البازلاء ويلوي أحد طرفيه لينفلق بطن القرن بفعل الضغط كاشفا عمّا في جوفه من حبيبات خضراء متلألأة. ينطّ بعضها ليسقط في الإناء فيما يبقى بعضها الآخر معلّقا بخيط نباتي رفيع في الجانب الباطني من القرن. يمرّر حسّان سبّابته في جوف القرن كالجرّافة ليمسحه ويخلّص الحبيبات العالقة فتسقط في الإناء لتلتحق بمثيلاتها . كان هذا التكليف في بداية التحاقه بمركز إصلاح الأحداث الجانحين بمثابة حصّة تعذيب قاسية. فلا صبر له ولا قدرة على تحمّل تكرار نفس العمليات الدقيقة واليدوية. ذلك يصيبه بالملل ويفقده أعصابه لأنّه لم يخلق لمثل هذه الأعمال التافهة. هذا فضلا عن أنّ كلّ حبّة بازلاء تنطّ خارج الإناء وتقع على الأرض، كانت تترجم إلى عقوبة رياضية بدنية قاسية . يتذكّر كيف كان يثور في وجه أمّه كلّما طلبت منه أمرا كهذا متعلّلا بأنّ ذلك شغل صبايا ونسوان، أمّا الرجال فشغلهم التفكير. كانت تلك تعلّاته لمغادرة البيت والالتحاق بأقرانه في الزوايا المظلمة من الحي، حيث يمارسون جميع أنواع الشقاوات. كان لا يطيق البقاء لوحده. يتصوّر أنّ خمس دقائق من العزلة كفيلة بإزهاق روحه، لأنّه يحسّ فعلا بالضيق والاخت