Articles

Affichage des articles du 2016

نهود الثورة

لمّا رنّ منبّه الآيفون، كانت الأمّ تغطّ في نومة عميقة وحلمة ثديها في فم البنيّة التي كانت ترضع وتخرخر بصوتها كقط وتخدش بأظافرها الحادّة صدر أمّها. لعنت الأمّ في سرّها هذا الجهاز الذي رنّ في يوم عيد الثورة فحرمها من النوم على راحتها ومدّت نحوه يدها لتخرسه وعيناها لا تزالان مغمضتين. ثمّ ناولت الجهاز للبنيّة كي تلهيها عن الرضاعة وتكفّ عن خدشها بأظافرها واسترسلت في النوم باستمتاع على غير عادتها وهي المجبرة على الاستيقاظ باكرا كلّ يوم لتجهيز البنيّة واصطحابها إلى محضنة الأطفال قبل التوجّه إلى مقرّ الوزارة حيث تعمل... لم يكن ذلك حال زوجها الذي كان مضطرّا يومها إلى الاستيقاظ باكرا للمشاركة في موكب الاحتفال الرّسمي بعيد الثورة باعتباره عضوا في البرلمان . لمّا شبعت الزّوجة نوما، غادرت فراشها وأعدّت قهوة جعلت تترشّفها باستمتاع وهي تتابع النقل التلفزيوني الحي لموكب الاحتفال عساها تتبيّن زوجها من بين الحاضرين. ثم شغلت نفسها بقضاء بعض الشؤون المنزلية في انتظار عودة زوجها الذي وعدها بخرجة إلى الشارع الرئيسي بالعاصمة للمشاركة في الاحتفالات الشعبية بالثورة... من الغد، ولمّا كان الزملاء

جاش الخاطر جاش: انتفاضة الخبز، 3 جانفي 1984

يومها، وصلت إلى معهد الصحافة قرابة التاسعة صباحا متأخّرا بسبب تعطّل حركة الحافلات. وجدت المعهد مقفرا إلاّ من بعض العملة الذين كانت علاقتنا بهم تحسن وتسوء بحسب التوتّرات الحاصلة مع الإدارة. كان بعضهم يتفانى في تنفيذ التعليمات طمعا في رضاء سي المنصف الشنوفي مدير المعهد، فيرصد حركاتنا ويشي بنا لدى الإدارة. وكان بعضهم الآخر متعاطفا معنا إلى حد التواطؤ. لكن يومها بدا لي جميع من وجدتهم هناك ودودين وقريبين منّي. كان النزق لمين يمازح كعادته الخالة زهرة بفاحش القول لتردّ عليه بأفحش منه. لكنّها بدت يومها صارمة وجادّة على غير المعتاد. أخبرتني أنّ الطلبة عقدوا اجتماعا عامّا خاطفا ودعوا إلى الالتحام بالمظاهرات الشعبية في أحياء الملاّسين وحي هلال والسيّدة المنوبية. غادرت المعهد لا أعرف كيف ألتحق برفاقي في تلك الأحياء. فعلى تلك الأيام، لم يكن لدينا الهاتف الخلوي المنتشر الآن. وفي شارع علي طراد بمونفلوري التقيت قائدا طلاّبيا يساريا من فصيل النقابيين الثوريين بدار المعلّمين العليا للتعليم التقني المجاورة لمعهدنا، وكنّا نعرف بعضا في سياق المناكفات بين الوطد والنقثَوْ، فأخبرني بلهجة آمرة أنّ أمرا ( u

فيض خاطر

(1) كيف صرت وطنيا ديمقراطيا؟ في بداية الثمانينات كنت طالبا بمعهد الصحافة أنتمي إلى خط الوطنيين الديمقراطيين. وكان هناك زعيم طلابي ينشط في الهياكل النقابية المؤقتة التي كانت وقتذاك تقوم مقام المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس الممنوع. كان هذا الزعيم الطلاّبي من تيّار يسمّي نفسه طلبة وطنيون ديمقراطيون دون صيغة التعريف. وهو أحد شقّي العائلة الوطنية الديمقراطية التي ستستمرّ في التفتّت والتشقق لتعطي المود والشود والوطج والوطد وغيرهم. وتلك حكاية أخرى تشكّل في حدّ ذاتها ظاهرة جديرة بالتحليل ولكن ليس هذا مجاله ... لم أختر أن أكون في الوطد (وتحديدا في مجموعة كلية الآداب التي تختلف مع الوطد مجموعة كلية الحقوق في مسألة هل نحن متعاطفون أم متبنّون لفكر الطبقة العاملة؟؟) ففيما كان رضا العتروس ( رضا لينين) مدعوما بجماعة الإيكول نورمال يرى في النخب المثقّفة مجرّد متعاطفين مع فكر الطبقة العاملة بحكم تصنيفهم كبرجوازية صغيرة، كان شق كلية الآداب الذين يتزعّمهم طالب من كلية الحقوق (محمّد الهادفي) يرى أنّ النخبة الثورية منسلخة طبقيا ومتبلترة (prolitarisée) وبالتالي فهي تتبنّى فكر ا

جاكلين

في قريتنا جاكلينتان: الأتان جاكلين وزوجة ثامر ولد بن بشير الشقراء ال هولندية جاكلين...   تلك الظهيرة، كنّا كعادتنا منذ عشرات السنين منصرفين إلى مراقبة انصرام الوقت في صمت نتصيّد خدشا يمزّق زرقة السماء ونتأمّل صلف الشمس ووقاحة الريح الرملية. كبارنا يتجمّعون في ظلّ زاوية سيدي مسكين الرّابضة فوق تلّة القرية المشرفة على الطريق الصحراوي... نفر قليل منهم نائم على الرّمل، وأكثرهم مقرفصون وهم متلفّعون بعمائمهم البيضاء التي لا تكشف إلاّ عن عيونهم، يلعبون الخربقة ويطردون بين الحين والآخر الماعز اللائذ بظل الجدار... نعش الأموات الخشبي المتآكل يترنّح في مكانه محدثا صريرا رتيبا ويكاد يسقط متفكّكا. أمّا الشباب، فمتحلّقون غرب الزّاوية في حانوت "بن بشير" حول سعد الذي جاءنا في إجازة من عمله كساعي بريد في المدينة. كان سعد يرينا بفخر صوره وهو يرتدي زي حكم رياضي في كرة القدم ماسكا صفّارته تارة، ورافعا ورقة حمراء في وجه لاعب يتوسّل إليه طورا. وكان بعضنا منشغلا عن بطولات سعد بالتهامس في شؤون الجسد. قال الدرّاجي متحدّيا سعد: "سأسلّمك رسالة كتبتها إلى اللّه، أريدك أن تضعها في صندو