Articles

Affichage des articles du 2018

البوليرو

(1) شِيــــــــكٌ من خشب "هل تعلمون لماذا كنّا نحبّه ولا نزال؟" سأل الشرطي المتقاعد جلاّسه حول طاولة صباحية على رصيف مقهــى الشارع الكبير، ثم صمت برهة كأنّما ليمكّنهم من إلقاء نظرة على الفنّان وهو يمرّ أمامهم، قبل أن يسترسل: "ببساطة، لأنّه كان يعرف كيف يدغدغ مشاعرنا ويوقظ فينا إنسانيتنا التي كنّا نكتم أنفاسها وراء ستار تطبيق القانون... معه هو، لم نكن نطبّق القانون... كانت إنسانيته تكتم أنفاس القانون... أذكـــر ذات دورة من مهرجان الأغنيـــة، كان الاختتام في ليلة شتوية باردة وممطرة... جاءنا إشعار بأنّ موسيقيا سكرانا يحدث هرجا في قاعة المسرح قبل انطلاق الحفل... كان غاضبا من إدارة القاعة التي لم توفّـــر جهاز بيانو ضروريا لتنفيذ أغنيته... ثار على قائد الفرقة الذي قال أنّه سيتدبّر أمره وينفّذ ما كتبه الملحّــــن للبيانو بآلة الأورغ... لمّا وصلنا هناك، وجدناه يقول كلاما عن الفرق بين البلّـــور والكريستال، والحاضرون موزّعون بين ضاحك وغاضب... خاطبه الضابط باسمه في لهجة حادّة، وكان بينهما سابق تعامل بسبب صعلكات ليلية. ولكنّ الفنّان ردّ عليه بأنّه ما بقي إل

إيــــفا

كلّ ما في ذلك المطعم يجعله مميّزا عن غيره من المطاعم التي تعجّ بها منطقة باب البحر... قاعة ذات سقف عال تدور فيه مراوح كهربائية بوتيرة هادئة. إضاءة خافتة. جهاز تلفزيون بالأسود والأبيض مثبّت في أعلى الجدار يكاد يلامس السقف، تتحرّك على شاشته صور صامتة. دورة مياه لافتة النظافة... طاولات وكراس خشبية من الطراز الشرقي القديم. طواقم الصحون والملاعق صقيلة لمّاعة... قائمة الطعام لا تخلو من الخضار المطبوخ على البخار، ومن وجبة " ال پ ايلا " الإسبانية المكوّنة من الأرز المطبوخ مع غلال البحر... المطعم لا يقدّم لحم الضان الذي يتهافت عليه أهل تونس... نوادل يخدمون الزبائن بوجوه متجهّمة تُذْهِبُ الشهية... الحرفاء معتادون في أغلبهم على المكان، يحضرون في أوقات منتظمة ويجلسون في ذات الأماكن كما لو أنّ÷ا محجوزة بأسمائهم. أغلب الحرفاء من المسنّين المقيمين في العمارات المجاورة من ذوي الديانة المسيحية... تحسّ وأنت تتأمّلهم كأنّما نسيتهم فرنسا وهي تغادر تونس في عجلة من أمرها، فتُرِكُوا لحالهم يلفّهم التهميش والنسيان. من بين الحرفاء أيضا موظّفون طالت عزوبتهم مثلي، وبعض سيّاح هم أيضا مسنّون تحسّ

اركب لا تمنّك

أطلق القطار صافرته الأخيرة قبل انطلاقه مبحوحة فتردد صداها في الأرجاء كنذير شؤم... نظر المتردّدون في الرّكوب حولهم، يتأمّلون وجوه بعضهم البعض بنظرات تائهة يغمرها الفزع والحيـــرة، باحثين عن غمزة، عن إيماءة تحسم الأمر وتقطـــع مع هذا التردّد القاتل... كانت أشلاء غيوم رصاصية تتراقص في السماء فتحجب الشمس ثمّ تكشفها، مشكلّة أطياف حيوانات ضارية: نمور وفهود وأسود وتنانين فاغرة أفواهها... دارت عجلات القطار فأحدثت باحتكاكها مع سكة الحديد صريرا مزعجا يذكّــــر بصوت السكاكين لمّا تُشْحَذُ... أطلّ بعض الركّاب من النوافذ، بعضهم يحثّ المتلكئين على امتطاء القطار، وبعضهم ينهاهم على مجرد التفكير في ركوبه بعدما اشتدت سرعته... لماذا تردّد المتخلّفون عن ركوب القطار؟ ألأنّهم فضّلوا البقاء حيث هم؟ أم لآنّهم لا يعلمون وجهة القطار؟ أو ربّما كانوا متوجّسين من ركّاب القطار أنفسهم؟ فكم مرّة انقلب هؤلاء على بعضهم البعض عندما صار القطار في الخلاء فعمّ السلب والنهب والاغتصاب ولا من منقذ أو مجيب... لعلّ بعضهم كان يخشى من تلغيم جسر أو من قطّاع طرق يتربّصون بالقطار وراء هضبــة... بلغت سرعة

الخلوتان

غادرت مركز الاقتراع مرتاح البال... فقد فعلت بهم وأنا داخل الخلــــوة الانتخابية، ما طاب لي. تأمّلت أوّلا أسماء المترشّحين على ورقـــة التصويت، فارتسمت في خيالي وجوههم وهم يتوسّلونني خانعين يكاد الواحد منهم يقبّل الأرض تحت أقدامي.... سمعت أحدهم يقول لي "رجاء، رجاء، برحمة الوالد والوالدة، لا تخذلنـــي"، وآخر يستدرجنـــي "لأبناء الشعب حاسّة شم لا تخطئ في معرفة الصادقين والمخلصين؟؟" فيما كان ثالث يوشوش بآية قرآنية عن جزاء فاعل الخير... وضعت إصبعي على فمي آمرا إيّاهم بالسكوت... ثم كتبت أمام اسم المترشّح الأوّل "اللعنــــة" وأمام اسم المترشّح الثاني "دعك من هذا الهراء" وأمام الثالث "إلى جهنّم وبئس المصير"... وواصلت أخاطب كلاّ منهم بلغته... خرجت منتشيا أشدّ حزام بنطالي كما لو أنّني أغادر بيت الرّاحة. وفكّرت في أن أحتفل بما فعلته بهم... قلت أرفع نخبا مع الأصدقاء فنتسلّـــى بما فعلته بهؤلاء السماسرة ونضحك عاليا... في خلوة الصرّاف النقدي، ارتعشت يدي وأنا أستعدّ لإدخال بطاقة السحب في الجهاز... تسارعت دقّات قلبي خوفا من أن يبصق

الإهانة والجفون الثقيلة المُغْمضـــة

هذه ترجمة لمقالة كتبها الجزائري كمال داود عن بلده... قرأتها بالفرنسية على صفحة   الفايسبوك للصديق Abdelkrim Gabous . في تقديــمه للمقالة، دعا عبد الريـــم القارئ إلى تعويض الجزائر بتونس.   منذ قرأتها وأنا لا أتوقّف عن حكّ جلدي، والرغبة في تقيّؤ أحشائي لغسلها ثمّ ابتلاعها من جديد، لا تفارقني... شكرا كمال داود، شكرا عبد الكريم قابوس الإهانة والجفون الثقيلة المُغْمضـــة كمال داود، الجزائـــر ترجمها من الفرنسية إلى العربيـــة: جلال الرويسي في طريق العودة من الجزائر العاصمة. من وراء زجاج القطار، الأرض أشجار تسير في الاتجاه المعاكس. حاويات زبالة فوضوية، منازل غير مكتملة البناء، مدمنو كحول مستندون على ما تبقّى في القرية من جدران، وأطفال يرجمون شبابيك القطار بالحجارة والضحكات البريئة. أمّا السّماء فهي اللامبالاة المصمّمة منذ الأزل، منذ الآية الأخيرة. والغيوم رخويات بحرية. الليل يزحف ببطء وهدوء. يجثو أوّلا على الجبال ثمّ يتمدّد ليمحو حدودها مع الفضاء... شتات أفكار يعبـــر الخاطر... ماذا سأكتب لصحيفة الغد؟ عن قمع المدوّنين؟ أم عن اللامبالاة؟ عن فترة حكم بوتفليقة؟ عن أ