غربة وغرابة وغرباء
كنت أظنّ أنّني الغريب الوحيد الذي يحبّ اللجوء إلى أنفاق الميترو حيث أقضي الساعات الطوال بعيدا عن صخب المدينة أمارس طقوسي في التسكّع والشرب والأكل والمطالعة إلى غاية أن اصطدمت بهما. أخذت عادة تمضية الوقت في أنفاق الميترو، من المشرّدين الذين يتملّكون تلك الفضاءات أيّام الشتاء، هربا من قسوة البرد والثلوج. أمّا أنا فيمنحني قرب الناس من بعضهم ودفء الجو داخل تلك الأقبية والأنفاق إحساسا بالأمان والإنسانية أفتقده لمّا أكون على سطح الأرض. أحسّ كما لو أنّ الأرض تفتح لي بطنها لتضمّني بين أحشائها بحنوّ فتغمرني الطمأنينة. ينتشر في المكان دفء مشكّل من روائح القهوى وبخار الأطعمة الساخنة التي تقدّمها المطاعم ومن أنّات كمنجات الغجر وإيقاعات التام تام الإفريقي ومن أنفاس المسافرين العابرين على عجلة من أمرهم. هناك أصادف المشرّدين مفترشين الكراتين غير عابئين بما يدور حولهم فيبدون لي أحرارا سابحين في عالم آخر وأتساءل في سرّي من يتجاهل من يا ترى؟ هل العالم هو الذي يتجاهلهم أم أنّهم هم الذين يتجاهلون العالم؟ ذهبت يومها إلى محطّة لابارديو لاستقبال صديقة قادمة من تونس. جلست كعادتي في المطعم التركي وطلبت سندوي