Articles

Affichage des articles du décembre, 2014

الملاجئ

كنت في الخامسة من عمري لمّا شيّدت شركة فسفاط قفصة ثلاثمائة مسكنا شعبيا وزّعتها على عمّالها. ورغم صغر سنّي آنذاك، فقد عشت تجربة زرع العمّال في حيّهم الجديد بوعي حادّ. أذكر كيف وصلنا إلى حيّنا الجديد ذات صباح على متن عربة مجرورة (كرّيطة) حملت كلّ ما نملكه من متاع، ومن فوقه كنّا مكوّمين أنا وإخوتي الثلاثة وأمّي. ربّما بسبب هذه الصّورة ظلّت تسمية الملاجئ أقرب إلى وجداني من عبارة الحي العمالي المعتمدة رسميا. وفيما انشغل والدي وأمّي بتوضيب غرف البيت التي لم تكن تختلف عن الأقفاص في شيء من فرط ضيقها وانخفاض سقوفها، انتشرنا أنا وإخوتي في أرجاء الحيّ نكتشف تضاريسه وملامحه. كان للحي رائحة الحياة البكر وألوانها. انتشرت في أرجائه بقايا مواد البناء كقطع الآجر الأحمر وبقايا الأخشاب والحديد. ورغم فقره، فقد أصرّ أبي على أن يطبع البيت بروحه حتى لا يكون مجرّد رقم في سلسلة من الأبواب المتشابهة والتي يصعب التمييز بينها. فقد جاء ببرميل صدئ مزج فيه الجص الأبيض بمادّة ملوّنة خضراء فاتحة وترك الخليط يتماهى ثلاثة أيّام كان أثناءها يرشّه بالملح ويحرّكه بعصا خشبية ثقيلة فتفور منه حرارة تحرق

حقيبة الخط

كنّا ثلاثة طلبة جددا نتقاسم الغرفة F 13 بالحي الجامعي ببن عروس في مفتتح السنة الجامعية 1981-1982. طلبة قادمون من ثلاث مناطق مختلفة: الحوض المنجمي والمكناسي وجزيرة جربة. لم تكن تربطنا ببعضنا معرفة سابقة، ولكن لم تجمعنا الصدفة في تلك الغرفة. فقد رتّب الأمر على هذا النّحو رفاقنا الأقدم منّا بتوجيه من حلقات الاستقطاب الصيفية . منذ اليوم الأوّل، عملنا بمبدأ أنّ كلّ شيء مشترك ويدار بشكل جماعي: الأغطية والبسيسة والكعك والسجائر والكتب... وعشنا على ذلك النسق أكثر من ستّة أشهر حتّى كانت أحداث كلّية الآداب بمنّوبة التي عرفت مواجهات دامية بين طلبة اليسار وطلبة الاتجاه الإسلامي. بعدها مباشرة، زار غرفتنا رفيق من الساحل معروف بالجدّية والصلابة. كان يجرّ معه حقيبة جلدية ثقيلة جدّا استودعها أمانة عندنا وقال أنّها تضمّ أدبيات الخط الذي اختارتنا قيادته لهذه المهمّة الشريفة في ذلك الظرف الذي لم يعد فيه أحد من القادة البارزين آمنا على حياته في ظلّ ملاحقة البوليس ومطاردات الإسلاميين لهم. شخصيا لم أكن ميّالا إلى تصديق كلامه، وكنت أرجّح أنّها كذبة افتعلها ليتخلّص من ذلك العبء الثقيل عليه، فأوهمن