Articles

Affichage des articles du novembre, 2020

قريــــة ومقابــــر

أيام طفولتي كان في قريتنا مقبرتان. الأولـــى للمسلمين والثانية للنصارى. وكان أبي يحدثنا عن مقبرة ثالثة تقع على تخوم القرية، يدفن فيها البدو المنتشرون شرق القرية موتاهم. لَكَمْ استفـــزّ اسم هذه المقبرة الثالثة فضولي وخيالي : "جبانة وادي الجمل"، ولو أنّني كنت أفضل أن أنطقه على صيغة الجمع "جبّانة وادي الجمال"؟... كنت موزّعا بين تفسير نسجه خيال الطفل المجنّح فيّ وبين تفسير رواه بائع متجوّل كان يعرض بضاعته على أبواب المنازل ويطيل الوقوف مع النسوة. صوّر لي خيالي أنّ تسمية "وادي الجمال" تعود إلى كونه أودى ذات فيضان بقافلة كاملة من الإبل، تماما كما أودى الوادي الغربي بسبع عرائس ليلة زفافهنّ فسمّيت القرية أمّ العرائس؟ ارتحت لفكرة أنّ الدّفن بوادي الجمال يعني أنّ الفقيد كان كالجمل في قدرته على التحمّل والصبر، وأنّ نومته الأبدية في حضن الوادي تعويض له على الحرمان والعطش اللذين عانى منهما في حياته... أمّا ذلك البائع المتجوّل الذي كان يطيل الحديث مع النساء أمام بيوتهن، فقد سمعته يقول لإحداهنّ أنّ الوادي سمّي كذلك لأنّ القوافل القادمة من فريانة محمّلة بالت

تونس بين الأزمة والثورة

  مع كلّ يوم جديد تزيد الأزمة من تضييق الخناق على التونسيين. أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية وقيمية وتربوية وصحية لم تعرف البلاد مثيلا لها منذ قرون. وأمام هذا الاحتداد المتصاعد للأزمة يمارس الكلّ سياسة الهروب إلى الأمام والمزايدة. هروب إلى الأمام في الفساد والتداين الخارجي والتديّن والإضرابات وتعطيل الإنتاج والتهريب والإرهاب والجريمة والتحالفات السياسية المشبوهة، بما يعمّق حالة الشلل التام. أغلبنا يشعـــر بأنّنا نسير بخطــى حثيثة نحو كارثة لن ينجو منها أحد. كارثة قد تكون حربا أهلية، أو ثورة جياع بدون أفق سياسي واضح تفضي إلى تفكك الدولة على شاكلة الصومال، أو قد تكون إعلان إفلاس الدولة تجاه دائنيها وتشكيل كوميسيون مالي جديد يؤدّي إلى عودة الاستعمار. ورغم وعينا الحاد بما تعيشه تونس من أخطار محدقة، لا نزال نكابر ونزايد على بعضنا البعض. نحن في الحقيقة نجني ثمار ما زرعته الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد والعباد، منذ 1956. نظام بورقيبة بصيغه الثلاث التعاضدية (البنصالحية) والليبيرالية (النويرية) والهرطقة الهووية (المزالية)، والمافيوزية العائلية (بن علي والطرابلسية) وتجارب ما ب