Articles

Affichage des articles du février, 2015

نقل جثّة

أدركنا قوس النصر الذي تستقبل به "القصرين" زائريها مع تباشير الفجر الأولى... كانت هناك نقطة تفتيش تضم شرطيّين يكاد الواحد منهما لا يتحرّك من فرط البرد، بادلانا التحية دون أن يوقفانا... كانت المدينة لا تزال نائمة وشارعها الرئيسي ممتدّ أمامنا بمنحنياته وتعرجاته المتفاعلة مع أعمدة الإنارة العمومية غير المنتظمة ومع ظلال أشجار الكالاتوس لتضفي على الإسفلت ما يشبه تلك البقع الداكنة التي ترقّط جلد الثعبان.  طلب منّي عشيري أن أتوغّل صوب الجنوب حيث يقع المستشفى الجهوي عند سفح جبل الشعانبي الجاثم كتنّين هرم في أقصى المشهد المقابل. كان جميع من في السيارة صامتا والتوتّر يزداد كلّما اقتربنا من المستشفى، حتّى أنّني لم أنتبه إلى عبور شيخ شقّ الطريق أمامي فجأة فكدت أدوسه بالسيارة... استغلّ عشيري الحادثة ليكسر طوق الصّمت فقال "لابدّ أنّه المؤذّن أو وكيل المسجد يسرع لفتح الميضة وقاعة الصلاة للمصلّين. نحتاج قهوة ساخنة تبعث فينا شيئا من الدفء، ولن نجد ضالّتنا في مثل هذا الوقت إلاّ بمقهى المحطة." ثم أشعل سيجارة نفث دخانها داخل السيارة المغلقة كأنّما ليجبرني على التوقّف فورا.  ون

غزال الرّحمة

كثيرون لا يعرفون أنّ سعد الله في أصله عامل بناء... وأنّه أقام لفترة مع العزّاب عند الناحية الغربية من القرية المنجمية في حضيرة بناء المساكن الشعبية حيث أسكنت الشركة العمّال القادمين من الجهات القريبة. يروي عنه زملاؤه كثيرا من النوادر أيّام كان يقاسمهم غرفة في الحضيرة. طرائف عن خوفه من العقارب الذي يحرمه من النوم طوال الليل، فيعجز عن العمل من الغد. ولكن إتقانه لطبخ الشاي يشفع له ويجعل الكابران يعفيه من العمل ويكلّفه بإعداد الشاي للشانطي بأسره. يروون أيضا كيف كانوا يستغفلونه في لعبة الشكبّة فيخسر جميع الأطراح ولا يغنم شيئا من علب الشامية وبسكويت الشوكوطوم التي كانوا يتراهنون عليها. كاد سعد اللّه يجنّ يوم خبّؤوا راتبه وأوهموه بأنّه سرق ... لا أحد يجادل في كون الرّجل بشوش وطيّب يستحق كلّ الخير... ولكن هذا لا يكفي كي يتحوّل من عامل بناء إلى تاجر مركانتي وصاحب مقهى في ظرف عشر سنوات. "سبحان مغيّر الأحوال، الدنيا حظوظ، فعلا الدنيا حظوظ". هذه الجملة تُخْرِجُ المرحوم محمّد لاصيان عن طوره حتى يكفر من فرط الغضب كلّما سمعها، فيردّ "يا طحّانة، يا حسّاد، علاش تنسوا اللي س

منظّفـــة السينما

تصدير أوّل: "انتهى كلُّ شيء.. وبقيَ ذلك الأسى الغريب الذي لا يعرفه سوى كنّاسو المسرح بعد خروج آخر الممثلين!" (ماركيز) تصديــر ثان: يحكى عن شخص مصاب بالاكتئاب قصد طبيبا نفسانيا للعلاج فنصحه بارتياد سرك يقدّم فيه مهرّج موهوب نمرة مسلّية جدّا قد تساعده على الشفاء، فأجاب المريض: "ذلك المهرّج الذي تتحدّث عنه هو أنا يا دكتور"   من طقوس الفرجة السينمائية عند الناس في هذا البلد أن يقزقزوا حبوب عبّاد الشمس، وينزعوا أحذيتهم لإراحة أقدامهم النتنة ويرشقوا ركبهم في ظهور الجالسين على المقاعد الأمامية، ويدخّنوا داخل القاعة، ويختلوا بحبيباتهم في زواياها المظلمة، وفيهم كثيرون يعلّقون على المشاهد والأحداث بأصوات عالية، بل ويصفّقون لبعض الأعمال الباهرة التي تؤتيها الشخصيات على الشاشة... أمّا هو، فمن طقوسه ألاّ يدخل القاعة إلاّ وقد غرقت في الظلمة باستثناء ذلك الشعاع الذي ينطلق من بؤرة صغيرة في غرفة البث ليخترق الفضاء في اتّساع متواصل حتى ينهال على الشاشة الكبيرة ويتحوّل إلى عالم حيّ تؤثّثه الكائنات والمناظر. ما إن يطلّ برأسه متحسّسا طريقه في العتمة، حتّى تلو