Articles

Affichage des articles du février, 2012

تين من زمن الأنبياء

ولّينا ظهورنا لحنايا صنهاجة المحاذية لمقبرة ينام موتاها في أحضان شجر اللوز... لمّا وصلنا إلى قمّة الرّبوة كانت القرية قد توارت خلف أشجار السّرو لينكشف المشهد في الجهة المقابلة على سهل أخضر لا يحدّه البصر .. ترجّلنا من السيارة وقد أصابنا الخرس... ظلّ صوت محمود درويش يصلنا من داخل السيارة محمولا على خيط ناي خافت...  "أطلّ، كشرفة بيت، على ما أريد أطلّ على أصدقائي وهم يحملون بريد المساء: نبيذا وخبزا، وبعض الرّوايات والأسطوانات... أطلّ على نورس، وعلى شاحنات جنود تغيّر أشجار هذا المكان." [1] ذبنا في سحر المشهد المؤلّف من أخضر العشب وأزرق السماء وذلك الخط الأرجواني الفاصل بينهما... هناك، هناك، بعيدا في قلب البساط الأخضر المغلّف بالضباب تتراءى نقطتان بيضاء وسوداء... هما كوخ صغير أمامه شجرة تين... ومن موقعنا في أعلى الربوة يمتد باتجاه الكوخ مسلك متعرّج يبدو كخيط من دخان...... فجأة أطلق الزورباني صرخة مزّقت عذرية الفجر ليتردّد صداها في الروابي المحيطة بالمكان. ثمّ ركض عاريا كعنقاء نهضت من قبر في المسلك المتعرّج باتجاه الكوخ... فاضت عيناي بدمع غزير... أمّا حبيبته فسرب

شاماكو والصوت

لا وجود للصّمت المطلق، لأنّ الكون مسكون بذبذبات ليست سوى تردّدات لأصوات قديمة قدم الكون ذاته... فالصوت لا يذوب ولا يفنى وإنّما يتفتّت إلى جزيئات أثناء اختراقه للفضاء وللزمان فيخفت وقعه ويتحوّل إلى ذبذبات خفية منتشرة في الجوّ لا تسمع بالأذن المجرّدة. فما لا نسمعه نحن تسمعه الحيتان ذات الحاسة السمعية المتطوّرة جدّا أو تلتقطه أجهزة الرّادار. عند سقوط صفيحة معدنية مثلا من أعلى سطح، تتناسب القعقعة التي تحدثها طردا مع نوعية المكان (الفضاء) الذي تسقط فيه. فالفضاء المفتوح يسمح للذبذبات (الصدى) أن تسافر عبر الهواء، بينما الفضاء المغلق يسجن الذبذبات بين الجدران التي إمّا أن تمتصّها فترتجّ (الصوت يتحوّل إلى طاقة) أو أن تعكسها فترتدّ لتصطدم بمثيلاتها من الذبذبات التي تعكسها الجدران الأخرى محدثة قعقعة أقوى. إنّ الأهمّية العلمية للصوت لم تعد خافية. حيث يستفاد منه في مجال التردّدات الإذاعية والرّادار وعلوم الزلازل والاتصالات الهاتفية والمخابرات العسكرية وتفجير السدود، الخ. ولكنّ الصّوت كذلك هو المادّة الأولية التي يشتغل بها الموسيقي. فالوحدات الصوتية (الدرج

حكايات عن الياسمين

Image
يثير الحديث عن "ثورة الياسمين" في خاطري حكايا عالقة بذاكرتي عن علاقة والدي بالياسمين بعيدا عن اللغط الدائر بين مؤيد لربط الثورة بالياسمين ورافض لهذا "الكليشيي" الهادف إلى تعليب الثورة وتحويلها إلى منتوج سياحي.  لكنني لا أستطيع الحديث عن حكاية والدي مع الياسمين دون أن أربطها بعلاقته بالبخور والعطور والطيب. فهو مولع بالروائح الفوّاحة إلى درجة الإدمان المرضي. لا يخرج إلى عمله في منجم الفسفاط قبل أن يرمي حفنة من البخور في الكانون ويقف فاتحا ساقيه، مفضفضا جنبات سترته كي يفسح المجال لدخان البخور حتى يتسرّب إلى ملابسه الداخلية ويخرج من رقبة تبّانه التي تغدو مثل فوهة مدفئة الحطب. وهو في ذلك لا يعبأ بمن في الغرفة ممّن يعوقهم الدخّان الكثيف عن التنفس. "سيدي" من أولئك الذين يتملّكهم الصّرع لمّا يشمّون رائحة بخور الجاوي (نسبة إلى مصدره جزيرة جاوة الأندونيسية) فيفاجأ من حوله بالقفز صارخا "أبَبْ بَبْ بَبْ بَبْ بَبْ بَبْ" والشرر يتطاير من عينيه والرّغوة البيضاء على شفتيه، كما لو أنّه من أحباب اللّه الذين يخاطبون الج

الفايسبوك كنقاب

أعرف فتاة لها حسابان على الفايسبوك. اتّخذت للأوّل بروفايل فتاة لعوب باسم "منّولة دلّولة" وبصورة حسناء رائعة الجمال. فحاز على آلاف الأصدقاء الافتراضيين الذين مازالوا يتهافتون على طلب صداقة "منّولة دلّولة" فتستجيب ساخرة. تكتب على جداره وتنشر كلّ ما يعنّ لها بجرأة وحماس وعفوية ودون أدنى صنصرة. وهو ما يؤجّج تفاعل أصدقائها ويستقطب أصدقاء جددا... أمّا الحساب الثاني فيحمل اسمها وصورته ا الحقيقيين. وهي، وإن كانت ليست على جمال أخّاذ فإنّها تظل ذات جمال مقبول. لكنّ عدد أصدقائها ظلّ متواضعا بالمقارنة مع "منّولة دلّولة". وظلّ ما تنشره على جدارها حبيس حدود المسموح والممنوع. طلبت صداقة "منّولة دلّولة" فحظي طلبها بالموافقة. واستغلّت تلك الصداقة لتشاكس "منّولة دلّولة" معاتبة إيّاها على استهتارها حينا وداعية إيّاها إلى الاحتشام والتقيد بقواعد ديننا السّمح حينا آخر. فيتكفّل أصدقاء "منّولة دلّولة" بالرّد الذي غالبا ما يأتي عنيفا وساخرا.. وقد يتّفق أن يثير الجدال المحتدم أحد أصدقاء البروفايل الثاني فيتدخّل مناصرا ضدّ "منّولة دلّولة"

الشيشة

لست أفهم كيف يتحمّل بعضهم المكوث في محلاّت مغلقة ومزدحمة بمدخّني الشيشة. مشهد مقزّز ينمّ عن عداء مبيّت للذات وقطيعة تامّة مع الوقت كقيمة وثروة. دخان كثيف يسدّ الأنوف ورائحة مصطنعة لتفّاح، لا تختلف في شيء عن نكهة مبيد الحشرات الكيميائي، تصفعك لتصيبك فوريا بالصداع النصفي حالما تمرّ بجانب تلك المحلاّت، فما بالك بمن يقضي الساعات الطوال داخلها جاثما في غباء يقرقر نرجيلة وسخة ويتبادل جبّادها مع جلسائه في طقوس بدائية سابقة لمرحلة اكتشاف النّار... لا أفهم كيف تغضّ السلط النّظر على هذا الاستخفاف الصارخ بالنظافة وبقواعد حفظ الصحّة؟ بل وكيف تشارك فيه بإسناد الرخص لأصحاب هذه المحلاّت وتصنيفها كقاعات شاي من الصنف الرّفيع؟ يا ربّي، لو تتأمّلون ذلك المعجون الذي يسمّونه جيراق ومعسّل والذي يحشون به كبّوس الشيشة ويضيفون إليه محلولا كيميائيا يسمّونه الغليسيرين Glycérine. وهات من تلك الولعات الغنية بثاني أوكسيد الكربون والتي يتهافت على طلبها المشيّشون من عون مخصّص للغرض يجوب القاعة جيئة وذهابا كشاوش الحضرة. شنوّة هذا؟ في 2012 يا رسول الله، مازلنا ندوّرو في جبّاد على أربعة جلغ؟ ونتكلّموا على الصحّة؟ تي