Articles

Affichage des articles du mars, 2017

زيارة أولــــى إلى دمشــق

بيروت ودمشق سنة 2006، كنّا أربعة تونسيين مشاركين في مؤتمر الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدّولي للأرشيف ببيروت. مؤتمر تطاوس فيه كالعادة دكاترة العرب ليلوكوا كلاما مكرورا لا جديد فيه ويتبادلوا بطاقات الزيارة بكثافة. لم نتردّد بعد نهاية المؤتمر في التوجّه إلى سوريا وكأنّنا خطّطنا للأمر مسبقا. لم يكن من المنطقي أن نصل إلى تخوم الشام دون أن نزور دمشق. دمشق ذاتها لم تكن لتغفر لنا مثل تلك الغلطة. لقطع المسافة التي لا تستغرق أكثر من ساعتين بين العاصمتين، سلكنا في البداية طريقا جبلية تغطّيها أشجار الأرز المغطّاة بالثلوج، قبل أن نتوقّف في استراحة على مشارف مدينة زحلة. مقهى بلّوري صاخب يضجّ بالحياة، مضمّخ بالدفئ وببخار المأكولات اللبنانية اللذيذة. ومن موقعه ذاك على تلك التلّة العالية يطلّ المقهى كبرج مراقبة على سهل شاسع لا يحدّه البصر. وقفت في الخارج أستنشق الهواء النقي مترشفا قهوة البن الممزوج بالهيل، أتأمّل الامتداد المغلّف بالضباب مركّبا على المشهد في ذهني مواويل جبل لبنان وأغاني العتابا والميجانا... قطع عليّ سائق سيّارة الأجرة متعتي وهو يشير باتجاه السهل: "نعبـــر سهل البقاع ل

الزَّنْدْيَانِي

على تلك الأيّام وما كان يميّزها من عمليات إرهابية يؤتيها المتشدّدون الدينيون، ما كان يجوز أن يظهر في تلك القرية الواقعة على الحدود الجبلية غريب ويقيم بين الناس فجأة، دون أن يعرفوا له لا أصلا ولا فصلا... ليس معنى هذا أنّ أهل القرية يرفضون الغرباء بينهم. فقد تعوّدوا منذ أيّام الاستعمار أن يستقبلوا أشخاصا لا صلة لهم بالقرية. وكانوا يكرمونهم ويقدّمون لهم الإحاطة والمساعدة. هذا مدرّس فرنسي، وهذا طبيب بلغاري، وذاك باحث سويدي في علم المناخ، والآخر مهندس أمريكي. وحتّى حكاية المهندس الرّوسي الذي تبيّن فيما بعد أنّه مهرّب آثار لم تثنهم عن حسن استقبال الوافدين من الغرباء. بل وقد مرّ على القرية في بدايات الاستقلال الدعاة والمبشّرون... شرط وحيد كان لابدّ من الاستجابة له: أن يعرف النّاس من يكون ذلك الشخص، حتى لو اختلق لهم رواية كاذبة. كانوا في حاجة إلى تنشيط خيالهم ومن ثمّة الاجتهاد في نسج المبرّرات والاحتمالات ليؤثّثوا بها سمرهم. أمّا أن يظهر بينهم واحد من الهنود الحمر بجلدته البنّية المائلة إلى حمرة الطين، وشعره الأسود الطويل المظفورعلى كتفيه، وبوشمه على الوجه، فهذا ما لم يجدوا له تفسي

رموش في مهبّ الريح

قلت أتّخذ من كنيتي حافزا كي أتحدّاهم جميعا وأبيّن لهم من يكون بولرماش وما الذي يستطيع فعله. لكن علىّ أن أعترف بأنّني سعيت قدر استطاعتي إلى تغيير هذه الكنية، حتّى أنّني فاتحت أستاذ مادّة العربية في الأمر ورجوته أن يساعدني في ذلك. لمّا أعلمته بأنّني أكنّى ب"بولرماش" لم يكن هناك من حاجة إلى أن أشرح له أنّ تلك الكنية تعني بالضبط عكس منطوقها اللفظي. فقد كان كغيره من الناس يدرك بالعين المجرّدة أنّه لا رموش عندي... كنت كلّما نوديت بتلك الكنية المزيج من السخرية والشماتة، أحسّ بذلك الشرخ في شخصيّتي يزداد اتّساعا. كأنّه كان عليّ أن لا أنسى أبدا أنّني أعشى ولا رموش لي . يعود ذلك إلى طفولتي المبكّرة لمّا هبّت ريح صرصر مفاجئة في سوق القرية الأسبوعي، وكنت أساعد والدي في بيع التوابل. كانت الريح من المفاجأة والقوّة بأن ذرت في وجهي كيس الفلفل الأحمر المطحون. أحسست باللهب يشتعل في مقلتيّ، وجعلت أتمرّغ في الأرض صارخا وأفرك عينيّ بكل قوّة، والألم يحتد أكثر فأكثر. أخذوني إلى البيت وغسلوا عينيّ بماء كثير ووضعوا عليها طبقة من العسل ثم غطّوها بضمّادات لمدّة أسبوع لم أر فيه النّور حتّى خلت نفسي ق