Articles

Affichage des articles du novembre, 2018

اركب لا تمنّك

أطلق القطار صافرته الأخيرة قبل انطلاقه مبحوحة فتردد صداها في الأرجاء كنذير شؤم... نظر المتردّدون في الرّكوب حولهم، يتأمّلون وجوه بعضهم البعض بنظرات تائهة يغمرها الفزع والحيـــرة، باحثين عن غمزة، عن إيماءة تحسم الأمر وتقطـــع مع هذا التردّد القاتل... كانت أشلاء غيوم رصاصية تتراقص في السماء فتحجب الشمس ثمّ تكشفها، مشكلّة أطياف حيوانات ضارية: نمور وفهود وأسود وتنانين فاغرة أفواهها... دارت عجلات القطار فأحدثت باحتكاكها مع سكة الحديد صريرا مزعجا يذكّــــر بصوت السكاكين لمّا تُشْحَذُ... أطلّ بعض الركّاب من النوافذ، بعضهم يحثّ المتلكئين على امتطاء القطار، وبعضهم ينهاهم على مجرد التفكير في ركوبه بعدما اشتدت سرعته... لماذا تردّد المتخلّفون عن ركوب القطار؟ ألأنّهم فضّلوا البقاء حيث هم؟ أم لآنّهم لا يعلمون وجهة القطار؟ أو ربّما كانوا متوجّسين من ركّاب القطار أنفسهم؟ فكم مرّة انقلب هؤلاء على بعضهم البعض عندما صار القطار في الخلاء فعمّ السلب والنهب والاغتصاب ولا من منقذ أو مجيب... لعلّ بعضهم كان يخشى من تلغيم جسر أو من قطّاع طرق يتربّصون بالقطار وراء هضبــة... بلغت سرعة

الخلوتان

غادرت مركز الاقتراع مرتاح البال... فقد فعلت بهم وأنا داخل الخلــــوة الانتخابية، ما طاب لي. تأمّلت أوّلا أسماء المترشّحين على ورقـــة التصويت، فارتسمت في خيالي وجوههم وهم يتوسّلونني خانعين يكاد الواحد منهم يقبّل الأرض تحت أقدامي.... سمعت أحدهم يقول لي "رجاء، رجاء، برحمة الوالد والوالدة، لا تخذلنـــي"، وآخر يستدرجنـــي "لأبناء الشعب حاسّة شم لا تخطئ في معرفة الصادقين والمخلصين؟؟" فيما كان ثالث يوشوش بآية قرآنية عن جزاء فاعل الخير... وضعت إصبعي على فمي آمرا إيّاهم بالسكوت... ثم كتبت أمام اسم المترشّح الأوّل "اللعنــــة" وأمام اسم المترشّح الثاني "دعك من هذا الهراء" وأمام الثالث "إلى جهنّم وبئس المصير"... وواصلت أخاطب كلاّ منهم بلغته... خرجت منتشيا أشدّ حزام بنطالي كما لو أنّني أغادر بيت الرّاحة. وفكّرت في أن أحتفل بما فعلته بهم... قلت أرفع نخبا مع الأصدقاء فنتسلّـــى بما فعلته بهؤلاء السماسرة ونضحك عاليا... في خلوة الصرّاف النقدي، ارتعشت يدي وأنا أستعدّ لإدخال بطاقة السحب في الجهاز... تسارعت دقّات قلبي خوفا من أن يبصق

الإهانة والجفون الثقيلة المُغْمضـــة

هذه ترجمة لمقالة كتبها الجزائري كمال داود عن بلده... قرأتها بالفرنسية على صفحة   الفايسبوك للصديق Abdelkrim Gabous . في تقديــمه للمقالة، دعا عبد الريـــم القارئ إلى تعويض الجزائر بتونس.   منذ قرأتها وأنا لا أتوقّف عن حكّ جلدي، والرغبة في تقيّؤ أحشائي لغسلها ثمّ ابتلاعها من جديد، لا تفارقني... شكرا كمال داود، شكرا عبد الكريم قابوس الإهانة والجفون الثقيلة المُغْمضـــة كمال داود، الجزائـــر ترجمها من الفرنسية إلى العربيـــة: جلال الرويسي في طريق العودة من الجزائر العاصمة. من وراء زجاج القطار، الأرض أشجار تسير في الاتجاه المعاكس. حاويات زبالة فوضوية، منازل غير مكتملة البناء، مدمنو كحول مستندون على ما تبقّى في القرية من جدران، وأطفال يرجمون شبابيك القطار بالحجارة والضحكات البريئة. أمّا السّماء فهي اللامبالاة المصمّمة منذ الأزل، منذ الآية الأخيرة. والغيوم رخويات بحرية. الليل يزحف ببطء وهدوء. يجثو أوّلا على الجبال ثمّ يتمدّد ليمحو حدودها مع الفضاء... شتات أفكار يعبـــر الخاطر... ماذا سأكتب لصحيفة الغد؟ عن قمع المدوّنين؟ أم عن اللامبالاة؟ عن فترة حكم بوتفليقة؟ عن أ

درّاجـــة أبـــي الهوائيـــة

Image
لم يكن لنا في البيت أثاث كثير، حتى أنّ عربة مجرورة ببغل كانت كافية لنقل كلّ ما نملك دفعة واحدة يوم انتقلنا إلى منزلنا بالحي العمّالي الذي بنته شركة الفسفاط قبل ست سنوات... يبدو أن سكننا الجديد كان فيه من البركة ما جعل أثاثنا ينمو قليلا.. في البداية وزّعت الشركة على العمّال بيوت نوم تتكوّن من سرير لشخصين مع حشية صوفية وخزانة صغيرة وطاولة وأربعة كراس... خصّصنا لبيت النوم هذا غرفة سمّيناها "الدار الجديدة"، غرفة مغلقة طوال النهار للمحافظة على أثاثها،، لا تُدْخَلُ إلاّ ليلا... بعدها بسنتين اشترى أبي مذياع "فيليبس"، كان يشغّله على أعلى صوته كي يسمع الجيران أخبار إذاعة "هنا لندن" التي لم تكن مذياعاتهم قادرة على التقاطها... كان أبي يفاخر بمذياعه كفرس لا يهزم... في الأثناء، اشترى جيراننا أشياء أخرى لا قدرة لوالدي عليها: تلفزيونات وثلاجات وطباخات بالغاز ودرّاجات نارية... وكان أبي يعلّق كلّما جاء ذكر الثلاّجة أو التلفزيون أن لا شيء ألذّ من ماء الشكوة (السماط) وأنّ التلفزيون الذي لا يلتقط "هنا لندن" ولا يظهر فيه عبد العزيز العروي مضيع