Articles

Affichage des articles du janvier, 2018

بوليسية...

(1) كان يحب الرياضات الميكانيكية، معروف بمهارته في قيادة السيارات والدرّاجات النارية... فرح عند تعيينه بشرطة المرور، وكان يريد أن يضع مهاراته تلك في خدمة الشرطة... سألته بفضول: "ولكن لماذا استقلت من وظيفتك إذن؟"... ردّ باشمئزاز: "لأنّني لم أجد فيها ما كنت أتوقّعه من إثارة... تخيّل أنّ كلّ من تشير عليه بالتوقّف يتوقّف فورا، حتّى مهرّبو البنزين... إنّهم يغافلون القانون لأنّهم لا يقدرون على مخالفته. هكذا يحرمونني من متعة المطاردة وبدل ذلك يقرفونني بعرض رشاوي تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع... خفت أن أتحوّل إلى راعي بقر يفرغ مسدّسه في رؤوسهم، فاست قلت..."   (2) عند توظيفه في جهاز الشرطة تمّ تعيينه في فرقة الخيّالة. ورغم أنّه لم يكن قد ركب حصانا قبل ذلك ولا فكّر في الأمر، إلاّ أنّه فرح بذلك التعيين، لأنّه كان معجبا بالفروسية التي طالما حضر عروضها في زيارة سيدي تليل السنوية...وسرعان ما ألف الفرس التي أسندت له، ودخل معها في تواصل خفي وقوي. صار يحسّ عصبية الحصان تنتقل إلى جسده كتيار كهربائي كلّما ركبه... كأنّما كان يجري في شرايينهما دم واحد ... كان الحصان يحييّه

يوسف العزري

مهداة إلى مجانين قريتي وما أكثرهم... ككلّ غريب في تلك الديار، ومن منّا لم يكن فيها من الغرباء، لم نكن نعرف عنه الشيء الكثير. كنّا قد أقمنا هناك قبله بسنوات، بالضبط سنة بعد خروج فرانصا من تراب تونس. كان الناس يتقاطرون في السنين الأولى للاستقلال على القرى المنجمية بحثا عن الشغل القار. نأتي من بين فقراء الجريد والفراشيش وماجر والزغالمة وأولاد عيّار فنسكن القرابى (les gourbis) المحيطة بالفيلاج من ناحيتي الشرق والغرب. وسرعان ما يقبل بعضنا ببعض فنتعارف ونتزاور ونتصادق ونتعاشر. في المينة، يزول الحذر من الآخر بمجرّد أن تزول الكلفة. وتزول الكلفة أوّلا بين الرّجال تحت الدّاموس في سياق العمل. يحتاج العمّال إلى المزاح والتشاكس والتآزر ليتغلّبوا على الخوف وعلى قساوة العمل عشرات الأمتار تحت الأرض. يذهبون إلى الدّاموس مع بعض فيالقَ مترجّلة ويؤوبون منه كذلك. يمرّون وراء بيتنا وأسمع وقع خطاهم وصدى أحاديثهم فأتطلّع من وراء النافذة المطلّة على سكّة القطار لأراهم يمشون في أزيائهم الزرقاء الموحّدة وخوذاتهم على رؤوسهم وهم يتحادثون رافعين أدوات عملهم فوق أكتافهم فيبدون لي كجنود عائدين أو ذاهبين إ

ناثر القمح

كيف انقلب حال القرية ممّا كانت عليه من جاذبية ونشاط إلى تلك الحالة من البؤس والكساد؟ أيّ لعنة تلك التي أصابت القرية فجعلتها تفقد بريقها وزوّارها حتّى خسر العشرات من سكّانها مصادر رزقهم على ذلك النحو المتلاحق والمتعاظم كلّ يوم كالوباء... هي قرية صغيرة آمنة نبتت بين حضني تلّتين كلسيّتين متعانقتين في قلب الصحراء ترصّع إحداهما نقطة مراقبة عسكرية بناها المستعمر للسيطرة على الطرق الصحراوية من ناحيتي الجنوب والشرق، فيما تنتصب على رأس التلّة الثانية زاوية يرقد فيها ولي صالح. وما بين هاتين العلامتين تتناثر منازل القرية نزولا إلى غاية بطحاء البلدية حيث تقع عين مياه طبيعية. تولّي القرية وجهها باتجاه الشمال، مسندة ظهرها إلى حزام كثيف من أشجار الكالاتوس والدفلى يقيها زحف الرمال بفعل الرياح الهوجاء ربيعا ولسعات سموم الشتاء الباردة ولظى الشهيلي صيفا... ووراء ذلك الحزام النباتي بدأت تتشكّل كثبان من الرمال ما فتئت تعلو حتى غمرت جذوع الدفلى... هكذا تحوّل مناخ القرية مع مرور السنين إلى ما يشبه المناخ الرّطب في قلب الصحراء بفعل الأشجار والمياه والحرارة... وصارت جالبة لسكّان جدد من

يحدث في الساحة...

Image
كلّ صباح يعبر العم حماد الساحة متثاقل الخطو باتجاه دكّانه الذي يفتح على الساحة التي لا تنام... تكون الحركة في تلك الساعة من الفجر قد خفّت، دون أن تنعدم بالكامل. تظلّ بقايا رائحة رؤوس الخرفان المسلوقة في الماء والتوابل وروائح البخور عابقة في الجو كأنّ الجدران والإسفلت قد تشرّبتها وتضمّخت بها... عملة التنظيف البلدي منهمكون في جمع ما تناثر من قمامة في أرجاء السّاحة التي تستعدّ لاستقبال يوم جديد تجلب أثناءه الناس من كلّ أصقاع الأرض، ليتفرّجوا على قارئات الكف ومروّضي الثعابين وباعة الأعشاب وكتبة التعاويذ والراقصات والحكّائين والبهلوانيين... يعرف عم حماد جيّدا أحابيل هؤلاء النصّابين الذين يبيعون الأوهام للسيّاح. ويدرك كذلك أنّ أغلب السياح ليسوا حمقى يسهل استغفالهم. كلّ ما هنالك أنّ هذا المسرح المفتوح في تلك الساحة البديعة بمئذنة جامع الفناء والدّكاكين العتيقة حولها والأزقة المتفرّعة عنها في هذه المدينة الصحراوية المحاطة برياض النخيل، كلّ ذلك يحتاج إلى ممثّلين وكومبارص. يلعب أبناء المدينة وضيوفها أدوارهم بإتقان. "أسلّيك وأدغدغ خيالك، وتعطيني مالك..." عندما ي