Articles

Affichage des articles du octobre, 2019

القطار يدخل المحطّة...

متثاقلا يدخل القطار المحطّة عند الفجر، تكاد جنباته تنفجر بما تحمله من مسافرين وأمتعة... يتهادى كأنثى كركدن حبلــى وهو يغيّـــر سكّته على وقع تقاطع الحديد، لا يعرف إلى أيّ رصيف يتّجه، فيبدو كباخرة تتقاذفها الأمواج، ويكاد يتهاوى يمينا أو شمالا دون أن ينقطع عن إطلاق صوت صفارته المبحوح المتداخل مع صرير عجلاته الحاد وهي تحتك بالفرامل وسكة الحديد... روائح البول وأعقاب السجائر ودخان القاطرات تؤلّف باقة من الروائح الكريهة تغمر الأنوف فتزيد من حدّة الصداع النصفي الناتج عن أرق السفر... ومع ذلك يجد المسافرون القوّة كي يتدافعوا أمام الأبواب الخربة استعدادا للنزول، يفحّجون على حقائبهم بقمصانهم الخارجة عن أحزمتهم محملقين بعدوانية في بعضهم بعيون محمرّة ومتورّمة ثمّ يدوسون على أقدام بعضهم فتتعالى شتائمهم وصراخهم ... حمّالون مسنّون ومنهكون يسندون مرافقهم على عرباتهم المجرورة كبغال هزيلة حتى أنّ الواحد يشكّ في قدرتهم على المشي أصلا، فما بالك بأن يدفعوا عربة مثقلة بالأمتعة... تعلو الجلبة وتتسارع الحركة داخل المحطّة الكئيبة في مفارقة مع ما توحي به أضواءها القليلة والضعيفة من كساد... بعض

عن شكـــــري بلعيـــــد

وانا طالب في معهد الصحافة في بداية الثمانينات من القرن الماضي، كنت أنشط مع الطلبة الوطنين الديمقراطيين (مجموعة الأداب والعلوم). لم يكن مسمّى الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة (الوطج) قد ظهر بعد... فقد تمّ ذلك في 1984. ولا يعني تزامن الأمر مع التحاق شكري بلعيد بالجامعة، أنّه هو من كان وراء ظهور هذا المسمّى لأنّ نقاشات سابقة لالتحاق شكري بلعيد بالجامعة، وذات علاقة بالمسألة التنظيمية قد مهّدت للأمر. لم أكن من القادة أو الفاعلين في مجرى الأحداث والنقاشات السياسية. كنت مجرّد وُطيّد لا وزن له داخل الخط ولكنّني كنت لا أتردّد في التغريد خارج السرب كلّما كان لي من الاسباب ما اعتبره وجيها... والحقيقة أنّ تلك التنطّعات لم تكن تحرّكها ثقافة سياسية وتمكّن إيديولوجي بقدر ما كانت ناتجة عن منزع استقلالي نشأت عليه وعن تحفظي على بعض الممارسات... أعلمني أحد رفاق الخط بالمعهد أنّه على كلّ رفيق تخصيص دينار من منحته الجامعية التي تبلغ 30 دينارا في الشهر لتمويل دراسة رفيقين تلميذين بمعهد ثانوي خاص كانا قد أُطْرِدا من معهد الوردية لتزعّمهما التحركات التلمذية... تعرّفت في وقت لاحق على الرفيقين

وجهان لجبل واحد

نشأت تلك القرية في سفح الجبل وتوسّعت بين أحضانه... بدأت خمسة أو ستّة أكواخ من الأخشاب المصقولة يغطيّها القش وأغصان الأشجار المورقة منتصبة في شكل دائري كحبات ضخمة من الفطر البري تحلّقت حول ساحة يستغلّها السكان للأشغال المشتركة.... ورغم أنّ القرية كبرت مع الوقت وتناثرت بيوتها في حضن الجبل إلاّ أنّ أهلها توارثوا حكاية ظهورها في أدقّ تفاصيلها حتّى لكأنّها حصلت البارحة. يتحدّث جميعهم عن مطر طوفاني داهم قافلة كانت تعبر من هناك باتجاه الجنوب، فجرفت المياه بعضا من أفراد القافلة نساء ورجالا وأطفالا وذهبت بزادها ودوابّها. ووجد الناجون أنفسهم عاجزين على مواصلة السير. فلا الدواب والمؤونة تكفي ولا القلوب قادرة على ترك المدفونين تحت الأوحال. كان هناك إجماع على الاستقرار في ذلك المكان... ومع الوقت توسّعت رقعة القرية، وتلملمت الجروح واستطاب الناس الحياة هناك وقد وجدوا في ذلك الجبل مخدّة تسند ظهورهم... كان ذلك الجبل الضخم جاثما كتنّين الخرافة، يقي القرية من لفحات الشهيلي ورياح الجنوب الرملية فيغلّف الأجواء بغلاف ظليل ويضمّخها بالرطوبة ويعطّر هواءها بروائح الصنوبر والإكليل فتبدو القرية