القطار يدخل المحطّة...
متثاقلا يدخل القطار المحطّة عند الفجر، تكاد جنباته تنفجر بما تحمله من مسافرين وأمتعة... يتهادى كأنثى كركدن حبلــى وهو يغيّـــر سكّته على وقع تقاطع الحديد، لا يعرف إلى أيّ رصيف يتّجه، فيبدو كباخرة تتقاذفها الأمواج، ويكاد يتهاوى يمينا أو شمالا دون أن ينقطع عن إطلاق صوت صفارته المبحوح المتداخل مع صرير عجلاته الحاد وهي تحتك بالفرامل وسكة الحديد... روائح البول وأعقاب السجائر ودخان القاطرات تؤلّف باقة من الروائح الكريهة تغمر الأنوف فتزيد من حدّة الصداع النصفي الناتج عن أرق السفر... ومع ذلك يجد المسافرون القوّة كي يتدافعوا أمام الأبواب الخربة استعدادا للنزول، يفحّجون على حقائبهم بقمصانهم الخارجة عن أحزمتهم محملقين بعدوانية في بعضهم بعيون محمرّة ومتورّمة ثمّ يدوسون على أقدام بعضهم فتتعالى شتائمهم وصراخهم ... حمّالون مسنّون ومنهكون يسندون مرافقهم على عرباتهم المجرورة كبغال هزيلة حتى أنّ الواحد يشكّ في قدرتهم على المشي أصلا، فما بالك بأن يدفعوا عربة مثقلة بالأمتعة... تعلو الجلبة وتتسارع الحركة داخل المحطّة الكئيبة في مفارقة مع ما توحي به أضواءها القليلة والضعيفة من كساد... بعض...