قريــــة ومقابــــر
أيام طفولتي كان في قريتنا مقبرتان. الأولـــى للمسلمين والثانية للنصارى. وكان أبي يحدثنا عن مقبرة ثالثة تقع على تخوم القرية، يدفن فيها البدو المنتشرون شرق القرية موتاهم. لَكَمْ استفـــزّ اسم هذه المقبرة الثالثة فضولي وخيالي : "جبانة وادي الجمل"، ولو أنّني كنت أفضل أن أنطقه على صيغة الجمع "جبّانة وادي الجمال"؟... كنت موزّعا بين تفسير نسجه خيال الطفل المجنّح فيّ وبين تفسير رواه بائع متجوّل كان يعرض بضاعته على أبواب المنازل ويطيل الوقوف مع النسوة. صوّر لي خيالي أنّ تسمية "وادي الجمال" تعود إلى كونه أودى ذات فيضان بقافلة كاملة من الإبل، تماما كما أودى الوادي الغربي بسبع عرائس ليلة زفافهنّ فسمّيت القرية أمّ العرائس؟ ارتحت لفكرة أنّ الدّفن بوادي الجمال يعني أنّ الفقيد كان كالجمل في قدرته على التحمّل والصبر، وأنّ نومته الأبدية في حضن الوادي تعويض له على الحرمان والعطش اللذين عانى منهما في حياته... أمّا ذلك البائع المتجوّل الذي كان يطيل الحديث مع النساء أمام بيوتهن، فقد سمعته يقول لإحداهنّ أنّ الوادي سمّي كذلك لأنّ القوافل القادمة من فريانة محمّلة بالت...