عُملة الطّريق

مهداة إلى بلقاسم حارس القلعة المهجورة، ذلك المسرف في الصّمت وتفتيت القلب الطّريق سأحدّثكم عن رجل لم يعرف أمّه، ليس فقط لأنّها ماتت أثناء ولادته، ولكن أيضا لأنّ زوجة أبيه مزّقت كلّ صورها فماتت مقتولة مرّّتين. في المرّة الأولى قتلها هو بولادته العسيرة، وفي المرّة الثانية قتلتها زوجة أبيه بتمزيق صورها وحرمانه من معرفة أمّه إلى الأبد. هي حكاية رجل يربطه بالحياة خيط رفيع جدّا هو الحدّ الفاصل بين الحضور والغياب، بين الشجاعة والخوف، بين الأمل واليأس، بين الحكمة والتهوّر، بين الليونة والخشونة، بين الصّدق والكذب. نبت في التخوم الفاصلة بين هذه الثنائيات منذ مجيئه إلى هذا الكون، حيث كانت ولادته في ذات الوقت موتا لأمّه. كان يبدو للمحيطين به أخرق ومستهترا في تصرّفاته، حتّى أنّ دخوله السّجن لم يفاجئ أحدا. والحقيقة أنّه غذّى هذا الإحساس لدى النّاس، حيث لم تكن ملاحظات المقرّبين منه تثير لديه سوى الاشمئزاز وفي أفضل الأحوال الشفقة عليهم لما تخفيه من نفاق وما ترشح به من انفصام. لذلك كان يلوذ بالصّمت ويصمّ أذنيه معرضا عن تبرير سلوكه. إذ كيف لهم أن يفهموا أنّ من لم يف بدين تخلّد بذمّته لدى مُرَاب...