من نافذة الغرفة 226
عند منتصف نهار ذلك السبت الجويلي القائظ، كانت السيارات مجرّد صفائح معدنية متماوجة تتحرّك بالكاد في دوّار باب سعدون ... وكان الدوّار يبدو من نافذة الغرفة 226 بال طابق الثاني من مستشفى الأمراض السرطانية كبالوعة صرف صحي عملاقة في يوم ماطر، تجذب السيارات نحو مركزها المتمحور حول الأقواس الثلاثة لباب سعدون، كما تفعل الرحى مع حبات القمح، تهرسها و تطحنها ثم تلفظها من جوانبها . رنّ الهاتف فوجدت صديقي كمال على الخط يستفسرني بصوته الأبح عن رقم غرفة عشيرنا ويعلمني بأنّه قادم على القدمين بعدما ترجّل من سيّارة التاكسي العالقة في الدوّار. لوّحت له بيدي من شبّاك الغرفة ليس طمعا في أن يراني وإنّما محاولة مضطربة منّي لإدخال شيء من المرح وكسر وطأة الألم البارك على غرفة عشيري والموت المعشّش في جدرانها وزواياها وستائرها... وكأنّ عشيري قرأ ما في ذهني، فناولني اللحاف الأبيض لسريره قائلا على طريقته المعهودة في دفع الأمور إلى أقصاها "لوّح له بالعلم الأبيض وسيفهم"... أخذت اللحاف وجعلت ألوّح به بعنف كأنّني أريد أن أنفض عنه بعضا من الموت. وما كدت أفعل حتّى رأيت كمال يردّ برقصة زوربا بين ...