صدفة
اصطدمت به صدفة في الشارع الرّئيسي. تعمّدت النزول إلى العاصمة باكرا لاقتناء "ماكينة السعادة" و"السيدة الرئيسة" و"باغندا" قبل أن يصحو السكّيرون من نومهم وينتشروا في المدينة متحيّلين على أمثالي من الطيّبين لتصيّد ما تيسّر من القوارير. كنت على شبه يقين بعدم ملاقاة أي من تلك الوجوه التي كم نفّرتني من العاصمة ومقاهيها. ولكنّني لم أحسب له حسابا. في الممشى العريض الذي يتوسّط الشارع أقيم معرض عن حقوق الإنسان تضمّن معلّقات مناهضة للتعذيب ومدافعة عن الحق في الشغل والبيئة النظيفة والصحّة... قلت أستطلع ما في المعلّقات وأقرأ الوجوه وما تحمله من تعبيرات في انتظار أن تفتح مكتبة الكتاب. كانت المعلّقات محمولة على سيقان خشبيّة مثبّتة في أحواض ترابية بها أزهار ذابلة غمرتها أعقاب السجائر. وكان هو يقف أمامي يقرأ ما في المعلّقات ويتمتم بما يشبه السباب ثمّ يبصق في أحواض الزهور ويحرّك رأسه تعجّبا واستنكارا. أجبرتني رائحة الكحول العطنة التي تفوح منه على الابتعاد عنه قليلا وأنا أتأمّله من خلف: شعره الأشعث المتلبّد، بنطاله الفضفاض النازل تحت خصره، قميصه الوسخ بخطوط ال...