في النقل البحري الداخلي

يبلغ طول الشريط الساحلي التونسي 1200 كيلومترا. وبين أقصى نقطة في الشمال وهي طبرقة وأقصى نقطة جنوبية وهي متاخمة لجرجيس، توجد مدن ساحلية عديدة: نفزة، بنزرت، تونس، نابل، قليبية، الهوارية، الحمامات، بوفيشة، سوسة، المنستير، المهدية، الشابة، صفاقس، المحرس، الصخيرة، المطوية، قابس، جربة، إلخ. ولكل نقطة ساحلية امتدادات في عمق التراب التونسي حيث تقع تجمعات حضرية ومدن عديدة أخرى. واعتقادي أننا لم نعرف كيف نستفيد من هذه الميزة الجغرافية على المستوى الاقتصادي وبالتحديد في ما يتعلق بنقل البضائع والأشخاص. إذ بالإمكان التفكير في تركيز شبكة من المسالك البحرية الرابطة بين مدن الشريط الساحلي وإعطاء الأولوية في تركيز الطرق البرية إلى الربط بين مختلف هذه المدن البحرية وامتداداتها في عمق البلاد شرقا أو جنوبا. وهذا يتطلب طبعا وضع خطة استراتيجية تنفذ على مراحل والتخلي عن خيار الأولوية للشريط الساحلي في تركيز الطرق السيارة. إن هذا التوجه تبرره مبدئيا اعتبارات جغرافية واقتصادية وتنموية وبشرية بل وحتى بيئية. ويبقى من الضروري طبعا دعم هذا الكلام النظري بدراسات جدوى وبتقديرات إحصائية. لكن ذلك لا يسحب منا حقنا في الحلم، على الأقل، في هذا المستوى من تناول الموضوع. أرى صناعة بحرية مزدهرة [صناعة السفن والقوارب ومعدات السفن والموانئ] تخلق مواطن شغل عديدة وغير هشة أو هامشية. وأرى مهنا بحرية في قيادة السفن والملاحة وتسيير الموانئ أكثر انتشارا وتشغيلية. وكذلك أرى نقصا في الازدحام على طرقنا البرية يتبعه انخفاض في حوادث الطرقات القاتلة وربح للوقت. بل يمكن التفكير في تاكسي بحري يربط الزهراء وحمام الأنف بسيدي بوسعيد والمرسى. أرى أيضا حركية في الموانئ تنعش الأنشطة التجارية باتجاه الداخل ولم لا الخارج تصديرا وتوريدا. ولا أخال هذا الخيار يهدد أمن البلاد أو يوسع من رقعة الهجرة السرية. ذلك أن الزخم البحري والحركية على سواحل البلاد ستعزز من شفافية البحر وتفضح أسراره. بقي أنه من الضروري تعميق البحث في انعكاسات هكذا اختيار على سلامة بيئتنا البحرية وثرواتنا السمكية ولو أنني أميل مبدئيا إلى التفاؤل لأنه بالإمكان استعمال هذا الخيار بمقادير مدروسة وتحت السيطرة ومن ناحية ثانية فلو كان هناك من خطر بيئي مدمر فما كانت بلدان من أشهر الحريصين على سلامة البيئة مثل الدانمارك لتستعمل هذا الخيار بشكل مكثف. ثم لا ننسى أن سموم السفن من الغازات والمحروقات البترولية سيقابلها انخفاض في نفس السموم على طرقاتنا الداخلية.
جلال الرويسي
منوبة في 11 فيفري 2009

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

المكتبات في بيئة الويب 2.0 أو مكتبات الجيل الثاني

مثلّث الطّبخ[1]

أم العرائس - عروس القرى