جمهورية قشور الموز

"موظّف اعتدى بالعنف في مكتبه على مواطن"، هل هناك أيسر من البتّ في مثل هذه القضية؟ لماذا إذن في كلّ مرّة تؤجّل المحكمة التصريح بالحكم في قضية عميد كلية الآداب بمنّوبة المتّهم بالاعتداء على طالبتين ملثّمتين؟ لأنّها ببساطة تهمة سياسية وليست مدنية. ففي هذه القضية الغريبة، قلبت الأدوار وصار الضحيّة معتديا والمعتدي ضحية، ولكأنّما من هذه الحادثة الغريبة جرى ذلك المثل الشعبي "ضربني وبكى، سبقني وشكا". يا سيدي، على فرض أنّ هذا الموظّف قد يكون دفع الملثّمتين فعلا، أفلا يحقّ له أن يدافع عن نفسه وعن مكتبه ضدّ من يداهمه فيه ملثّما ويعبث بمحتويات المكتب؟ أليس اللثام وحده سببا كافيا للذّعر والتفكير في الدّفاع عن النفس، حتّى وإن لم يحصل عبث بمحتويات المكتب؟ فما بالك وقد عاثت الملثمتان بكلّ ما طالته أيديهما فبعثرتا الملفّات ومزّقتا الوثائق الإدارية؟ ولم يكف ذلك بل أرسل مساندو المعتديتين قذيفة حجرية عبر نافذة المكتب لولا ألطاف الله لذهب ضحيتها من كان بجانب النافذة. وكلّها وقائع  موثّقة بالصّور وتمّت معاينتها من قبل عدل منفّذ... ولولا أنّ المعتديتين اشتكيتا لكان من المستحيل إثبات أنّهما مرتكبتا الفعلة لأنّهما كانتا ملثمّتين زمن الواقعة ويستحيل التعرّف عليهما، وهو ما قد يكون دفع العميد إلى المخاطرة بسلامته للكشف عن وجهيهما، هذا إذا ثبت أنّه مدّ يده إليهما. إنّ المعتديتين بشكواهما الكيدية ضدّ العميد أقامتا الحجّة على نفسيهما من حيث أرادتا توريطه. الأدهى من كلّ هذا، أنّ الوزارة التي ينتمي إليها هذا الموظّف الغلبان ملزمة بحكم القانون بحماية منظوريها، حيث ينصّ الفصل 9 من النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية (القانون عدد 112/83) حرفيا على ما يلي:
"الإدارة ملزمة بحماية العون العمومي من التهديدات والاعتداءات مهما كان نوعها التي قد يتعرّض لها بمناسبة ممارسة وظيفته وعند اللزوم بجبر الضرر الناتج عن ذلك
وتحلّ الدّولة أو الجماعة العمومية الملزمة طبقا للشروط المنصوص عليها بالفقرة السابقة محلّ المعتدى عليه في حقوقه لكي تسترجع من مرتكبي التهديد أو الاعتداء المبالغ المدفوعة للعون التابع لها.
ولها في سبيل التحصيل على ما ذكر حق الدّعوى المباشرة التي يمكن ممارستها بالقيام بالحق الشخصي عند اللزوم لدى المحكمة الزجرية."
فهل رفعت الوزارة قضية ضدّ من اعتدى على منظورها أثناء مباشرة مهامّه ومزّق وثائقها وهشّم زجاج مكاتبها فداس حرمة الدّولة؟ هل تكون الوزارة تريد من وراء تخاذلها في الدّفاع عن موظّفها، الإيعاز إلى كلّ موظّف عمومي بعدم مواجهة من يدخل مكاتب الإدارة ملثّما وعدم الدّفاع عن حرمة الإدارة حتّى في حال الاعتداء على الملك العام؟ أليس المفروض في مثل هذه الحال لا فقط أن تحلّ الوزارة محلّ المعتدى عليه فترفع قضية ضدّ المعتديتين، وإنّما أيضا أن تكافأ موظّفها على تفانيه في الدّفاع عن حرمة الإدارة وتعريض نفسه للخطر؟
من الغرائب الأخرى في واقعة الحال، أنّ القضاء لم يستدع المعتديتين لسماع أقوالهما في إطار قضية ثانية رفعها ضدّهما عميد الكلّية. فكيف يتحمّس القضاء للنّظر في القضية الكيدية ويتراخى في معالجة قضية أخرى تتعلّق بنفس الواقعة؟ ماذا ينتظر القضاء للنظر في القضية الثانية؟
وينفخولنا روسنا بكلام كيف الظلام على هيبة الدّولة وحرمة المؤسّسات واستقلال القضاء... وكيف قالوا عليهم جمهورية موز تغشّشوا وخذاوا في خاطرهم. لا ما حقّوش، عندكم حق، على خاطر هذي جمهورية قشور موز أمّا الموز ماكم بلعتوه...



جلال الرويسي - منوبة في 4 جانفي 2013

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

المكتبات في بيئة الويب 2.0 أو مكتبات الجيل الثاني

مثلّث الطّبخ[1]

أم العرائس - عروس القرى