نقطة انخرام النّظام


  نص مهدى إلى سيّد البهجة وملك الإيثار، الشامخ أبدا سنان العزّابي
يغرينا تخييب الظنّ فينا
ويكفينا تنسيب الحق دينا
نعم، نحبّ المفاجآت 
نعم، ندهش للمفارقات، 
لا نخشى الموت، 
ولكنّنا لا نكره الحياة
إلاّ متى صارت عادة، أيّها السّادة
في كلّ مرّة نحتاج دقيقة إضافية... 
فقط دقيقة
قد يهدرها أحمق في تعديل ربطة العنق
لكنّها للمحكوم بالإعدام، فرصة أخرى للحياة في الوقت الإضافي
لم نتعوّد التخطيط لحياتنا
ولم نحدّد بعد موعدا للافتراق
وهذا العمر لا يكفينا
كي نصرف كلّ ما فينا 
فقط دقيقة
قد لا تكفي لقول الحقيقة
لكنها تكفيك لتفجير نواة الحقيقة
كم صهريجا شربنا، وما سكرنا؟
كم ميعادا أخلفنا، وما ندمنا، وما اعتذرنا؟
كم برميلا من الدمع سكبنا؟
وكم قصيدا كتبنا؟
على صهوة الهواء، على صفحة الماء... 
بالمواء وبالعواء
وعلى السماء، في المساء وفي العراء
يشهد، تمثالُ الرّئيس المخضّب بالخراء
ويشهد، إسفلتُ الرّصيف المضمّخ بالدّماء
تشهد أيضا
مرآةُ نرسيس المكسورة
ومقصورةُ البوليس المهجورة
وكذلك تشهد
آلاتُ العازف النّازف 
وأصواتُ آلاف الأطياف
ممّن رحلوا إلى الأبد، دون إذن من البلد...
بالليل يأتون المدينة، دون إذن من أحد
للتسكّع والتذكّر...
نلقاهم في الأزقة المظلمة، حيث نبول...  
نهديهم الفول والتبغ والكحول...
وبعض أبيات تقول ما لا تقول...
لنا فيهم أصدقاء كثر وخلاّن

نردّ الزيارة، بنفس الجسارة
دون إذن من أحد
مؤنس ليل المقابر، لولا أحياء عديمو الحياء...
الموتى لا يفكّرون، لا يتألّمون، لا يتكلّمون
فقط يسمعون، ولا يعلّقون 
كم عمرا يلزمنا، حتى نطمئنّ على مصير البلاد؟
وكم حلما يلزمنا حتى نغيّر طبع العباد؟
وكم موتا يلزمنا حتّى نكفّ عن العناد؟
ليس من عاداتك أن تموت(1)
 وليس من عاداتي أن أرثيك(1)
فقط، في كلّ مرّة أضف دقيقة
قد لا تطيل حياتك، 
ولكنّك بها تثري لنا الحياة
فلا عادات لي سوى لقاك
ولا شرفات لي أطلّ منها على البلد في هذا البلد
لا بريد، ولا نبيذ، ولا شتاء 
سوى ثقب الفايسبوك الوقح...
كم من العمر وهبت، وما حسبت؟
وكم من الحَُبّ نشرت، فهل حصدت؟
أراهم يرتّبون الرّحيل في ارتجال  
يتفاوضون في الزّوايا على باقة الزّهور
كم زهرة يضعون؟ من أيّ لون؟ وأيّ نوع؟
ويدقّقون عبارات خطبة التكريم
الإيجاز، رجاء الإيجاز... لا استعارة ولا مجاز، 
فقط فواصل...
فالرجل يقاتل، الرجل مواصل، الرجل مناضل
يتشبّثون بجرعة الأمل، 
كالعاطلين عن العمل(2)
وأرى الإيثار يدفعك إلى قبول الدّور الموكول إليك
فمن يا ترى يكرّم من ؟ 
تمسك الميكروفون، وأنت لا تدري أيّ الجرعتين تغلّب: 
جرعة القلب أم جرعة العقل؟
ولكنّك تتخلّى عن جرعة البهجة
يا سيّد البهجة
أراك تخفي ابتسامة هازئة... أعرف، أعرف، ليس منّا...
ولكن من شيء لم يدركه سواك
وأراك تبحث عنّي بين الحضور
تتطلّع إلى الباب، تتحسّس جيبك 
علّي أطلّ في رنّة الجوّال
أو أطلع من حجر الجدار
أو ربّما فاجئتك من وراء الستار
لكنّك تعرف كم أكره هذا البخور وتلك العطور
وبعض الشمع وبعض السمع
وهذا الغمز وذاك الهمز
بالأمس، وقف هناك الكنعاني المغدور،
نفس الحضور، نفس الزهور، نفس الشعور
رجوتني أن نهرب، لنشرب، احتراما له
هكذا نحن
وجوهنا مطلية بماء الفرق
تهرّأ الأقنعة وتكشف الفرق
لن أبوح لك بحزني
ولكنّني لا أخفيك أملي
في أن تفاجئني كلّ مرّة
بفقط دقيقة
عند انتهاء الدقيقة...
(1) العبارة للمنصف الوهايبي  في رثاء والده
(2) العبارة لمحمود درويش
جلال الرويسي 
مسقط في 12 ديسمبر 2013

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

المكتبات في بيئة الويب 2.0 أو مكتبات الجيل الثاني

مثلّث الطّبخ[1]

أم العرائس - عروس القرى