اركب لا تمنّك
أطلق القطار صافرته الأخيرة قبل انطلاقه مبحوحة فتردد صداها في الأرجاء كنذير شؤم... نظر المتردّدون في الرّكوب حولهم، يتأمّلون وجوه بعضهم البعض بنظرات تائهة يغمرها الفزع والحيـــرة، باحثين عن غمزة، عن إيماءة تحسم الأمر وتقطـــع مع هذا التردّد القاتل... كانت أشلاء غيوم رصاصية تتراقص في السماء فتحجب الشمس ثمّ تكشفها، مشكلّة أطياف حيوانات ضارية: نمور وفهود وأسود وتنانين فاغرة أفواهها... دارت عجلات القطار فأحدثت باحتكاكها مع سكة الحديد صريرا مزعجا يذكّــــر بصوت السكاكين لمّا تُشْحَذُ... أطلّ بعض الركّاب من النوافذ، بعضهم يحثّ المتلكئين على امتطاء القطار، وبعضهم ينهاهم على مجرد التفكير في ركوبه بعدما اشتدت سرعته... لماذا تردّد المتخلّفون عن ركوب القطار؟ ألأنّهم فضّلوا البقاء حيث هم؟ أم لآنّهم لا يعلمون وجهة القطار؟ أو ربّما كانوا متوجّسين من ركّاب القطار أنفسهم؟ فكم مرّة انقلب هؤلاء على بعضهم البعض عندما صار القطار في الخلاء فعمّ السلب والنهب والاغتصاب ولا من منقذ أو مجيب... لعلّ بعضهم كان يخشى من تلغيم جسر أو من قطّاع طرق يتربّصون بالقطار وراء هضبــة... بلغت سرعة...