الخلوتان


غادرت مركز الاقتراع مرتاح البال... فقد فعلت بهم وأنا داخل الخلــــوة الانتخابية، ما طاب لي. تأمّلت أوّلا أسماء المترشّحين على ورقـــة التصويت، فارتسمت في خيالي وجوههم وهم يتوسّلونني خانعين يكاد الواحد منهم يقبّل الأرض تحت أقدامي.... سمعت أحدهم يقول لي "رجاء، رجاء، برحمة الوالد والوالدة، لا تخذلنـــي"، وآخر يستدرجنـــي "لأبناء الشعب حاسّة شم لا تخطئ في معرفة الصادقين والمخلصين؟؟" فيما كان ثالث يوشوش بآية قرآنية عن جزاء فاعل الخير... وضعت إصبعي على فمي آمرا إيّاهم بالسكوت... ثم كتبت أمام اسم المترشّح الأوّل "اللعنــــة" وأمام اسم المترشّح الثاني "دعك من هذا الهراء" وأمام الثالث "إلى جهنّم وبئس المصير"... وواصلت أخاطب كلاّ منهم بلغته...
خرجت منتشيا أشدّ حزام بنطالي كما لو أنّني أغادر بيت الرّاحة. وفكّرت في أن أحتفل بما فعلته بهم... قلت أرفع نخبا مع الأصدقاء فنتسلّـــى بما فعلته بهؤلاء السماسرة ونضحك عاليا...
في خلوة الصرّاف النقدي، ارتعشت يدي وأنا أستعدّ لإدخال بطاقة السحب في الجهاز... تسارعت دقّات قلبي خوفا من أن يبصق لي الجهاز بطاقتي كلسان أفعــى مسبوقة بذلك الصوت الذي يشبه "القروي"، ثمّ يعرض على الشاشة عبارات التأسف المحنّطـــة. مرّرت يدي على وجهَيْ البطاقة ثمّ قبّلتها قبل أن أدسّها في فتحة الصرّاف وأنا أتمتم...
دار محرّك الصرّاف محدثا جعجعة دارت معها أمعائــي، دون أن أتخلّــــى عن تفاؤلي. وللحظـــة، أحسست نفسي كصيّاد يمسك قصبة صنّارته منتظرا أن تعلق السمكة بالشص... طال دوران المحرّك دون أن تظهر علي خيط الصنارة علامات شد ولا جذب. عندها أيقنت أنّ جعجعة الصرّاف ليست سوى أصوات أولئك الأوغاد وقد اجتمعوا وراء الجدار الأصمّ وكلّهم إصرار على تأديبي... بدوا لي حيتانا ضخمة استأثرت لنفسها بالأسماك كلّها... رأيتهم يرمون بطاقتي البنكية في الهواء ساخرين شامتين ويرفعون الأنخاب قبل أن يحتجزوا البطاقة ويكتبوا بأنيابهم المدماة على الشاشة ردا يليق بمن تطاول عليهم في خلوة التصويت...

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

المكتبات في بيئة الويب 2.0 أو مكتبات الجيل الثاني

مثلّث الطّبخ[1]

أم العرائس - عروس القرى