شخصيات

كان على المفتّش صالح أن يصفع المناضل الطلاّبي ياسر ويشتم أمّه، حين يواجه سؤاله أين أخفى المناشير بالصّمت... لكنّ صالح صفع ياسر بكف رخوة دون أن يجرؤ على شتم أمّه... قال حسن لزميله وهو يرمقني بطرف عينه: "يا هاشمي، كيف لي أن أبصق على وجهك كمفتّش وأنت لم تشتم لي أمّي كطالب عنيد؟" ضحك الحاضرون في قاعة التمارين، وسمعت أحدهم يقول "لا عليك، سيشتمها بما فيه الكفاية يوم العرض". أمّا الهاشمي فقد برّر لي امتناعه عن شتم أمّ ياسر بأنّه لا يتحمّل بصقة حقيقية على وجهه في كلّ حصّة تمرين...
في المساء هاتفي حسن ليقول لي: لا أحد غيري يمكنه أن يلعب دور المفتّش صالح... هذا الدور أريده لي أنا يا أستاذ... أقترح أن نتبادل الأدوار أنا والهاشمي، فيلعب هو ياسر وألعب أنا صالح..."
وافقته دون تردّد قائلا أنّنا سنقلب الأدوار من الغد...
وفيما فرح الهاشمي بتخلّصه من شخصية المفتّش صالح وبدا حسن متحمّسا كي يخلع ياسر ويعوّضه بصالح، رفضت نجاح رفيقة ياسر وحبيبته هذا التغيير... قالت نادية وهي تشرح لي موقفها: يا أستاذ، مستحيل على نجاح التي تقمّصتها حتى لبستني تماما أن ترى ياسر خارج ملامح حسن، بنبرة صوته واختلاجات نفسه ورائحة عرقه ولمعة عينيه... قضي الأمر وطبعت الشخصيات الممثلين وتسرّبت إلى حياتهم الواقعية... إنّ نجاح تحب ياسر في المسرحية، ولكنّني كنادية أحب حسن في الواقع...
صحت في وجهها: لا علاقة لي بنادية وحسن والهاشمي... أنا أتحكّم فقط في ياسر ونجاح وصالح...
صاحت هي الأخرى في وجهي: يظهرلك يا أستاذ... أنت لا تتحكّم في شيء...
هذا الموقف ذكّرت به المفتّش حسن بعد عشرين سنة لم أره فيها، يوم استقبلني في مكتبه ليسلّمني جواز سفري... سألته عن الهاشمي، فقال لي: "لقد صدّق المسكين أنّه مناضل طلاّبي فأهدر سنوات دراسته الجامعية في إلقاء خطب لا يفهمها أحد. وانتهى به الأمر إلى مغادرة الجامعة دون شهادة. أصادفه من حين لآخر في مقهـــى لونيفار، فيقول لي: لم أكن أنفع أن أكون  شرطيا... كانت صفعتي رخوة... ولم يكن ينفع أن تكون مناضلا يساريا، فبصقتك بصقة شرطي لا بصقة مناضل... لذلك قلبنا الأدوار... ولكنّ نادية تمسّكت بك فوجدت نفسها زوجة شرطي بدل أن تكون رفيقة مناضل يساري...
قلت لحسن: ربّما كان عليها ألاّ تخلط بين نادية ونجاح... تسلّمت جوازي وصافحته شاكرا ثمّ غادرت مكتبه لأهاجر دون رجعة...

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

المكتبات في بيئة الويب 2.0 أو مكتبات الجيل الثاني

مثلّث الطّبخ[1]

أم العرائس - عروس القرى