الوطاويط تطرد عصافير الشارع

كنّا نسكن مقاهي الشارع الرئيسي ونتطفّل على مطاعمه... نؤثّث دور الثقافة والمسارح فيه... وكان النظام ضجرا منّا، لكنّه يحتاجنا كي يظهر للعالم أجمع أنّ أيامات قرطاج السينمائية والمسرحية والموسيقية ليست تلفيقا كاذبا... كنّا نصرف اليوم متنقلين من دار ثقافة إلى مسرح أو سينما كالنحل نمتص رحيق الفاكهة الثقافية والفنية ونلقّح أشجار الشارع وحيطانه بالأحلام والأفكار... ما أصعبه من زمن كان زماننا في تدبير الأكل ولكنّنا كنّا نسكت جوعنا بآخر القصائد والمسرحيات والأفلام والأغاني نتلقّفها كما تتلقّف السناجب فاكهة الغابة العذراء المتساقطة فنقشّر دواوين الشعر في مكتبة الكتاب ونترشّف الأفلام في نوادي السينما ونجرّب فرضيات أخرى للحياة مع فرق المسرح وننحت ذائقتنا اللونية والتشكيلية بالوقوف طويلا أمام تنصيبات النحّاتين ولوحات الرسّامين في قاعات ابن رشيق وابن خلدون والأخبار... كنّا نتفيّأ بظلال شجر الفيكوس حيث نلقّـــن العصافير أغانيها التي ستشدوها عند الأصيل... انتهـــى أغلبنا إلى الاقتناع بأنّ الثورة ملحمة إغريقية غابرة، أو أسطورة لاتينية، ما عدا بعض العنيدين الذين ظلّت الثورة عندهم حبّة مهدّئة تساعدهم على النوم في عراء الشارع... سقط منّا شهداء كثيرون... لم يقتلهم رصاص البوليس بل سموم البرد والجوع... كنّا نودّع موتانا في هضبة سيدي بلحسن ونعود على عجل إلى الشارع الرئيسي خوفا عليه من الغرباء...
فجأة هبّت على شارعنا جحافل من الجراد والوطاويط، تسلّقت الساعة المعدنية الصدئة لترفع عليها الرايات السود، وعشّشت في سقف المسرح والكنيسة، وظهر ملتحون يقيمون الصلوات على رصيف الشارع...

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

المكتبات في بيئة الويب 2.0 أو مكتبات الجيل الثاني

مثلّث الطّبخ[1]

أم العرائس - عروس القرى