إلاّ تلّة سيدي البوهالي

 مع الزّمـــن، كانت الأشياء تتغيّـــر في تلك القرية. تقلّصت بطحاء السوق ولفّها السكون. تداعـــى صفّ الدكاكين القديمة ذات المزاريب الطويلة والأبواب الخشبية المتشابهة ذات المراتيج الحديدية الضخمة إلى السقوط بعدما هجر الناس تلك الدكاكين وغابت عنها تلك الحركة الدّؤوبة وعمليات البيع والشراء. ظهرت دكاكين جديدة وكثيرة في الأحياء. الكل صار يتعاطــى التجارة. في كلّ منزل فتح باب جانبي مخصّص لدكّان تجاري يبيع كلّ شيء ولا شيء. محلاّت الهواتف، تحوّلت إلى محلاّت أنترنيت عام، ثمّ إلى محلاّت استنساخ وطباعة، ثمّ إلى محلاّت لإصلاح الهواتف النقالة والاتجار بها. صار في القرية خمس مخابز وهي لا تحتاج إلى أكثر من واحدة. الحمّامات التي ظهرت فيها سرعان ما أفلست وأغلقت بعدما انتشرت موضة الأدواش في البيوت الخاصّة. اختفت بطاح كرة القدم بعدما انصرف الشباب إلى شرب الكحول وتدخين الحشيش. مربّو المواشي تحوّلوا إلى مهرّبي مواشي منفتحين على تهريب أي شيء آخر حسب المتاح والمطلوب.

شيئان لم يتغيّـــرا رغم السنين. مساجد القرية وربوتها.

مساجد بيضاء توحي قبابها المستديرة بالطمأنينة وصومعاتها الخفيضة بالقناعة.

أمّا الرّبوة، حيث يرقــد سيدي البوهالي، فتلّة عارية إلاّ من بعض شجيرات شوكية موزّعة هنا وهناك. ربوة حجرية كالحة تزحف فيها الأفاعي والعقارب الشاهرة ذيولها المقوّسة كالسيوف. ربـــوة تلتحف السماء في صمت منذ الأزل وتبدو للحمقى زائدة عن الحاجة، كانت دائما ملاذا للصعاليك والمجانين والمنبوذين والشواذ. يقال أنّ الثوّار كانوا ينزلون منها ليجمعوا المؤونة ويؤدّبوا مخبري فرنسا. ربوة تسند ظهر القرية كمخـــدّة وتصدّ عنها لفحات الشهيلي. ربوة ترصّعها قبّة سيدي البوهالي التي تدير ظهرها للقرية حيث تشرف من الجهة الخلفية على سهل صحراوي شاسع استوطنه أولاد سيدي البوهالي ممّن رفضوا الاستقرار بالقرية والعمل بالمنجم بعد اكتشاف الفسفاط في بداية القرن الماضي.

لا أحد في المجلس البلدي توقّع رفض الأهالي للاتفاقية الموقّعـــة مع شركة الغراسات والبيئة لتشجير الرّبوة. وهل يجوز رفض ما فيه المصلحة العامة كما علّق على ذلك رئيس المجلس البلدي المنتخب على قائمة التحالف القبلي؟ ومع ذلك كان الرفض قويا وعنيفا... هل كان بإيعاز من عمال شركة الغراسات الذين تعوّدوا قبض جراياتهم دون عمل أي شيء؟ أم أنّ وراءه المهرّبين والصعاليك الذين كانوا يدافعون عن ملاذهم ومخبئهم؟ هل صحيح ما راج من أنّ الاتفاقية مدخل لتهيئة مقاسم سكنية في التلّة وإنشاء أحياء جديدة عليها يستفيد منها السماسرة والمقاولون؟ أم أنّ الحكاية وما فيها تعود إلى رفض أولاد سيدي البوهالي الاقتراب من جدّهم وقضّ مضجعه؟

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

المكتبات في بيئة الويب 2.0 أو مكتبات الجيل الثاني

مثلّث الطّبخ[1]

أم العرائس - عروس القرى